أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أردوغان فشل في سورية ولن ينجح في تركيا*

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

يُسجَّل للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه أول رئيس أعلن بوضوح وقوفه بقوة مع ثورة الشعب السوري الذي خرج في وجه الأسد مطالبا بالحرية والعدالة والتغيير، وهو الذي ساند ثورات الربيع العربي منذ انطلاقتها مع حرق التونسي بو عزيزي نفسه.

ويُسجَّل لتركيا أنها فتحت حدودها دون حسيب لاستقبال السوريين الفارين من الموت الذي صبّه الأسد عليهم، واستقبلتهم برحابة صدر، وكرم ما بعده كرم، لا سيما الموجات الأولى منهم.

سمحت بإدخال السلاح للثوار وساندتهم لوجستيا، واستضافت مؤسسات المعارضة على "ثقل دمها"، وتركيا في ذلك كانت تسعى لمصالحها السياسية والاقتصادية، وليس في ذلك عيب.

لكن مطبات كثيرة وقعت فيها سياسة حزب العدالة والتنمية في سورية، تمثلت بعدم قدرته على الالتزام بعديد الخطوط الحمراء التي وضعها أردوغان للأسد، بدءا بتهديده بأنه لن يسمح له بارتكاب "حماة ثانية" وصولا إلى تعهده بخوض معركة الرقة ومنع إقامة كيان كردي على حدود تركيا الجنوبية، وكل ذلك حصل.

بدأت هزائم تركيا تتجسد ميدانيا مع تراجع الجيش الحر الذي تدعمه عن مساحات كبيرة من الأرض بفعل تدخل الميليشيات الطائفية متعددة الجنسيات المدعومة من إيران، ومشاركة الطيران الروسي في الحرب إلى جانب الأسد وحلفائه.

نقطة التحوّل التي أرخت بظلالها على الهيبة التركية في سورية تمثلت بإسقاطها طائرة روسية في ريف اللاذقية نهاية العام 2015، ومنذ ذلك الوقت وتركيا تدفع الثمن باهظا وتقدم التنازل تلو الآخر تحت وطأة الضغط الروسي المسنود غربيا.

أوقفت دعم فصائل ريف حلب الشمالي مما سمح لجيش النظام بفك حصار نبل والزهراء والتمدد إلى عشرات القرى والمواقع الهامة، وأرغمت جبهة النصرة والفصائل الأخرى على الانسحاب من حلب وتسليمها لجيش الأسد والشرطة العسكرية الروسية، كل ذلك مقابل قطع غير محتوم للتواصل الكردي من شرق الفرات إلى عفرين.

تبدو صغيرة المساحة التي ارتضت بها تركيا مقابل كل تلك التراجعات والهزائم غير المباشرة عسكريا وسياسيا، والتي تشرعنت في لقاءات الأستانة، وليس أقلها القبول بروسيا وإيران كضامنين إلى جانبها للاتفاقات والهدن التي لا يزال أغلب بنودها مجهولا.

التطورات الأخيرة المتمثلة في فرض جبهة النصرة هيمنتها على غالبية مساحة محافظة إدلب وابتلاعها للفصائل الأخرى ولا سيما أحرار الشام المدعومة بقوة من تركيا، تؤشر على هزيمة جديدة لتركيا، رغم الأنباء التي تتوارد عن دور هام لها في إدلب ما بعد النصرة.

رغم أن السعي التركي انصب لفترة طويلة على إبعاد المتطرفين الإسلاميين والكرد عن حدودها، وكانت دلائل قوية تشير إلى أنها ستزرع الفصائل المقربة منها على هذه الحدود من جرابلس إلى كسب في ريف اللاذقية، لكن تدخلات دولية مباشرة منعتها من تحقيق هدفها، وقد تضطر للتدخل البري في إدلب من أجل قطع الطريق على قوات سورية الديموقراطية خوض معركة تحريرها من جبهة النصرة ومن أجل تعويض بعض خسائرها الحدودية، وهي إن حققت انتصارا فسيكون طعمه مرّا لما قد تتكبده من خسائر، وهي ترغب بنفوذ يأتي عبر حلول لا عسكرية.

قد تجد تركيا في الجانب الاقتصادي تعويضا عن خسائرها السياسية والعسكرية، والانتصار هنا يأتي بالتزكية، وهي الدولة الوحيدة المرتبط بسوريا الشمالية، ومفروض على أي فريق يسيطر هنا الاعتماد عليها اقتصاديا، ولا يبتعد عن ذلك جانب إعادة الإعمار وهو غير قليل، يرضيها كأقل الخسائر.

ولا بد من الإشارة إلى خطأ الظن بأن تركيا تسعى لإعادة الخلافة الإسلامية أو الإمبراطورية العثمانية من بوابة سورية، وهي التي سلمت قيادة منطقة درع الفرات إلى فصائل ومؤسسات سورية واكتفت بالتحكم عن بعد. 

ولن يكون غريبا أن يدفع أردوغان ثمن فشله في إدارة الملف السوري وتوظيفه سياسيا لمصلحته، وعليه قد لا يكون في العام القادم أول رئيس لتركيا بنظامها الرئاسي الجديد وهو الذي وظف بنجاح العملية الانقلابية الفاشلة وأحداث المنطقة والعالم من أجل تحقيق حلمه بتعديل الدستور إلى هذه الصيغة من الحكم.

*عبد السلام حاج بكري - من كتاب "زمان الوصل"
(140)    هل أعجبتك المقالة (128)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي