هلل الشيوعيون السوريون للتدخل الروسي كما لو أنهم هم من يعيدون ترتيب الموقف المبعثر في سورية، واعتبروه منقذاً لهم من هيمنة البعث على السلطة، وأنه سيعيد لهم بعض مستحقاتهم في الحرية والبرلمان والمناصب التي منعهم منها البعثيون طوال أربعين سنة من حكمه.
ومن أجل هذا العوز النفسي غرقوا في تبعيتهم للبعث، وشوهوا عقود نضالهم السلمي من أجل الحرية والشعب، وتحولوا إلى أقل من شبيحة يقتلون ويهتفون باسم بشار الأسد، وتراجعت شعبيتهم إلى أدنى حدودها، وتركوا معتقليهم الذي خرجوا مع شعبهم يهتفون بالحرية يموتون في سجون الأسد أو يغيبون، والصحفي (جهاد أسعد محمد) خير مثال على من تركوا في سجون الأسد عندما كان رئيس تياره قدري جميل نائباً لرئيس مجلس الوزراء، وحتى اللحظة لا أحد يعرف عن مصيره شيئاً..هل تمت تصفيته ام ما زال مرمياً في أقبية المخابرات.
بالأمس أخرجت ميس كريدي رأسها وهي التي أعيدت إلى دمشق بمعية المخابرات الروسية، وطوي ملفها الأمني كي تهلل لمنصات موسكو وحميميم، وتبدأ بشتم الثورة الإسلامية، والإسلام السياسي وتحلم بدولة علمانية بعثية، ووصلت آخيراً إلى اعتيار الأسد وجيشه إحدى أهم ضمانات الوطن...بالأمس أخرجت رأسها لتقول إن كل ما تقوله الخارجية الروسية كذب.
حتى هذه اللحظة لا يمكن اعتبار ما تقوله كريدي حقيقة أو توبة أو عودة إلى صراط الثورة، ولكنه على الأقل يفضح كيف رتبت روسيا مع الأسد وإيران رسم ملامح سورية الجديدة بوجهها الملون البعثي، من العمق دولة مخابراتية مجرمة بامتياز بمعونة بعض ضعاف النفوس والملتاثين بهوى القيادة وبمن فيهم كريدي شبه التائبة.
قالت كريدي بالأمس كلاماً دقيقاً عما يريده الروس من سورية، وما يريده قيصرها بوتين كما أطلقت عليه، وأنه يحاول إعادة ملامح الاتحاد السوفيتي العظيم، ولكنه في نفس الوقت يعيدها عبر وجوه استهلكها نظام الأسد وصنعها وضربت على ذلك مثالاً (قدري جميل)، الذي كما وصفت ترتيب دوره بالضبط (...ليمسحوا بخرقة بالية دماء اختلطت على ارض سورية ويقزموا تضحية جنود روس وسوريين بتحويلها أرصدة بنكية لدى قدري جميل).
يرى البعض أنها لا تختلف عن قدري جميل المنتج الروسي من حيث السوء والتاريخ السيء، وإذا كان قدري صنيعة المخابرات السورية كما قالت إنه صنع في مكتب محمد ناصيف فما هي إلا صنيعة روسية بامتياز، ولكن ساءها أن يكون قدري هو المرشح وهي خارج الطاولة.
تطلب كريدي من روسيا أن لا تقبح وجهها (روسيا لا تقبحي وجهك مع الشعب السوري بالاستثمار في سلة قدري جميل ...مرفوضة الإملاءات السياسية)...وكأن وجه روسيا ناصع، واياديها بيضاء، وهي التي دمرت المدن السورية، وقتلت شباب الثورة السلمية والعسكرية، ودمرت المشافي ومراكز الدفاع المدني على رؤوس الأطباء والمتطوعين، وأعادت للأسد ما خسره من وزن عسكري وسياسي.
بالنتيجة...توبة اليسار السوري وندمه لن يعيد لهم مكانتهم لدى شباب سوريا، وهم الذين خذلوا السوريين (في أغلبهم) وتآمروا عليهم، واختاروا الوقوف مع الأسد ضد خيارات الشعب بحجة الرعب من الأسلمة، وقدموا الغطاء السياسي له كنظام علماني صالح للتعامل مع العالم على نقيض كل هؤلاء الذي يهتفون باسم الله ويستنجدون به.
توبة متأخرة...لن تعيد لليسار هيبته ومكانته، وعليه -إن كان صادقاً- أن يجري مراجعة لخطاياه السياسية والتاريخية بحق الشعب السوري.
*ناصر علي - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية