أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أمريكا وإيران في "عرسال" و"التنف".. عبد السلام حاج بكري*

أرشيف

لمدة غير قصيرة، انصبّ اهتمام الإعلام المحلي والإقليمي وإلى حد ما العالمي على معركة "التنف" والمعبر ومحيطه والطرق المؤدية إلى دير الزور والتحضير للمعركة الكبرى فيها، وتنافست هذا الإعلام على إبراز انتصارات الطرف الذي ينتمي له.

حقيقة ما كان يجري على الأرض كان مختلفا عما تكرّم به الإعلام المنتمي لأطراف الصراع، فلا أمريكا انتصرت على خصومها الافتراضيين على الأرض، ولا الجيش الحر بتشكيلاته المتنوعة حقق تقدما يمكن أن يؤهله لدور أكبر في معركة دير الزور أو غيرها.

أكثر الأمور وضوحا، كان الإيقاع البطيء للمعارك، التي ظهرت وكأنها مدروسة بعناية، حيث اتخذ كل فريق مرابضه الجغرافية دون اشتباكات حقيقية مع بقية الأطراف.

يؤشر ذلك على توافقات ميدانية، فقط، نظام الأسد، وهو الطرف الأكثر استعدادا للتفريط بعناصره، حاول امتحان مدى تشدّد الأمريكان تجاه ما هو مخطط، فسار خطوة إضافية خارج حصته، فكان رد أمريكا غاضبا بقصف أرتاله مرتين، مؤكدة على عدم قبولها بأي تجاوز من أي طرف.

الأمر ينطبق على الميليشيات الإيرانية التي تنتشر في الصحراء شرق مدينة تدمر وجنوبها، والتي تهدف لاستمرارية الكوريدور إلى الضاحية الجنوبية في لبنان وإلى شواطئ المتوسط.

إدارة الرئيس ترامب تبدو حتى اللحظة، وكأنها غير جادة بوضع تصريحات الرئيس التي شددت على تحجيم الدور الإيراني في سورية محل التنفيذ، فهي تنسق مع إيران بشأن تحركات ميليشياتها، ولم تستهدفها بطلقة. 

بكل الأحوال، يبدو أن وصول كل فريق إلى نقاطه المحددة، منح الأجواء في الصحراء برودة غير مألوفة، بانتظار الاتفاق على التحركات القادمة باتجاه دير الزور وحقول النفط.

وخرجت أحداث الصحراء من دائرة اهتمام وسائل الإعلام، التي التفتت إلى معارك عرسال وجرود القلمون، وهذه بدورها تؤكد أن التنسيق الإيراني الأمريكي في حالة تصاعدية، على العكس تماما مما صرح به الرئيس الأمريكي.

لم يحن الوقت للجزم بخيبة أمل السوريين من إدارة ترامب، وهم الذين انتظروا منها إنهاء العهد الرخوي للسابق أوباما، وتوقعوا بناء على تصريحات ترامب نفسه أن تدفع إيران بعيدا عن الأراضي السورية.

ولكن خيبة الأمل باتت موجودة فعلا في أذهان السوريين، عززتها التهديدات المتكررة الفارغة للقيادة الإسرائيلية باستهداف الذراع الإيرانية الأقوى المتمثلة بحزب الله الذي يزداد تمدده يوما بعد آخر على الجغرافيتين اللبنانية والسورية والشعبين في البلدين، وهو الذي وجّه سلاحه على النازحين العزّل في مخيمات شمال شرق لبنان.

أمام مرأى جنود ترامب، هناك طريقان سالكان للولي الفقيه باتجاه لبنان نصر الله والبحر المتوسط، الأول عبر مناطق سيطرة "قسد"، والثاني يمر قريبا من الجار الأمريكي في التنف، ولعلّ ميليشياته تشرب مع هذا الجار العزيز نخب الانتصار على السوريين وتحقيق المصالح المتبادلة والمشتركة بين الجانبين على حساب الدم ووحدة الجغرافية. 

ما لم تقم أمريكا بعمل يلجم إيران، لن تطول الأيام حتى يجزم السوريون بأن ترامب ليس خيرا لهم من أوباما، وأن إيران مع إسرائيل هي الحليف الحقيقي لأمريكا في المنطقة، وستترسخ قناعتهم بأن تغيير الرؤساء لا يغير الاستراتيجيات وإن علت التصريحات واختلفت بين سابق ولاحق.

*عبد السلام حاج بكري - زمان الوصل
(110)    هل أعجبتك المقالة (123)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي