أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سوريا الصغيرة لا تستحق المواجهة.. عبد السلام حاج بكري*

هاربة من معارك الرقة - جيتي

لن تتورط أمريكا ومعها الغرب بصدام مع روسيا أو تركيا أو إيران أو حتى ميليشياتها في سورية، فالعالم الاقتصادي لا يحتمل هزة كبيرة تزعزع استقراره الهش، وكذلك عالم السياسة غير مستقر أساسا، لا سيما مع وصول قيادات غير متزنة أو غير ناضجة لقيادة كبريات دول العالم، وهناك أصلا مغامرون يقودون بعضها.

يتهيأ للبعض أن أمريكا وشركاءها قادرة ببساطة شديدة وفورا على إنهاء الأزمة السورية، قد يكون الأمر سهلا إذا ما توفرت الإرادة، ولكن توفر الإرادة لا يظهر إلى العلن ويدخل حيز التنفيذ إلا بعد استشارة كل الأطراف الفاعلة، ولا شك أن مصالح هذه الأطراف ستكون مضمونة وفق اتفاقات يتم لمسها واقعا ولا تظهر على الإعلام.

أمريكا ومعها تحالف دولي جرار أعلنت حربها على الرئيس العراقي الراحل صدام حسين منذ احتلاله الكويت، ولا شك أنها كانت قادرة على إسقاطه عسكريا بفترة وجيزة، لكنها استمرت بحربها المعلنة عليه ثلاثة عشر عاما قبل أن تنضج قرار إنهائه.

ست سنوات ونصف لم تكن كافية لإنضاج قرار إيجاد حل للحالة السورية، ورغم أن نفط سوريا أقل، إلا أن تعقيد الجيوبوليتيكا وسعي كل المؤثرين لحصة أكبر منها هو ما أطال عمر الأزمة، رغم أن ملامح القرار بدأت تتضح شيئا فشيئا مؤخرا، ولعل رسم ما تبقى من خطوطه يتم بحركة أسرع، ولكن ليس بالضرورة عدّه بالأسابيع أو الشهور لأن من يخسر بلعبة الزمن هو الطرف الذي لا يأبه به أحد، الشعب السوري.

إن من سوء حظ هذا الجزء الحزين من القصة أن السياسة الكونية افتقدت للسياسيين الكبار أو المقدامين، أوباما كان الرأس في الجبن السياسي، وخليفته ترامب لا يزال يهرّج دون أن تتضح له رؤية يمكن البناء عليها، وليس قادة فرنسا وانكلترة السابقون والجدد بحال أفضل.

الأقوى حضورا على الساحة الدولية والسورية هي المغامرة البوتينية والتشبيح الإيراني، ولم يتم ردعهما، ولم تعترض طريقهما إشارة حمراء أو حتى برتقالية، ولن يخرج المصارع بوتين والولي الفقيه خاليي الوفاض، وستكون لهما جغرافيا سياسية وعسكرية من الوطن السوري، لأن الجميع يتجنب الجميع ويسعون معا للابتعاد عن المواجهة.

أما وقد اتضحت معالم النفوذ في مناطق تخفيف التصعيد، والمنطقة الآمنة في الجنوب، تبقى ثلاثة مناطق بانتظار وضع الرتوش الأخيرة على صورتها.

البادية السورية ودير الزور، كمنطقة واحدة، أمريكا لم تتخلَّ عنها، ولا يريد الإيراني والروسي مغادرتها، وكذلك لا يزال بعض الغموض يلفّ منطقة النفوذ الكردي وسط مساومة أمريكية روسية تركية عليها غربي الفرات وشرقه، وقد تجد حلا عبر المقايضات التي اشتهرت بها الساحة السورية.

كما لا تزال محافظة إدلب تخضع للتجاذبات، وما بين التدمير الشامل على رأس حكامها من "هيئة تحرير الشام"، كخيار تفضله أمريكا، وبين حل تسعى له روسيا وتركيا يقوم على تفكيك الهيئة وترحيل مجاهديها الأجانب، على أن تشتركا معا في إدارتها عبر الشركاء "المعتدلين". 

طبعا، هناك الكثير من التفاصيل الأخرى على الساحة بحاجة للاتفاق عليها بين المتنفّذين ومنها مصير الأسد وبعض البقع الجغرافية وأهمها ريف اللاذقية، لكن السير في طريق الحل بدأ وقطع شوطا مهما، ولن تعيق هذه التفاصيل الوصول إلى خط النهاية، فقط يمكن أن تؤخره، دون مواجهة بين الكبار من أجل سوريا الصغيرة ولا شك.

* من كتاب "زمان الوصل"
(146)    هل أعجبتك المقالة (131)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي