تعرضت أسوار مدينة الرقة القديمة منذ أيام إلى أضرار بالغة عندما فتحت ميليشيا "قوات سوريا الديموقراطية" فيها ثغرتين في مسعى منها لاستعادة المدينة من يد تنظيم "الدولة".
وتحيط هذه الأسوار التي شُيدت في العصر العباسي بالمدينة إحاطة الإسوارة بالمعصم، واكتسبت شهرة تاريخية وورد ذكرها في كتب الرحالة والجغرافيين، وشُيدت هذه الأسوار من مادة الطابوق -اللُبن الأحمر- على هيئة أسوار بغداد أي أنها تتألف من سور مضاعف داخلي وخارجي بينهما فاصل وحُفر حول السور الخارجي خندق يحيط بالأسوار من جميع جهاتها عدا جهة الضلع الجنوبي الذي كان مشرفاً بشكل مباشر على نهر الفرات الذي شكَّل مانعاً طبيعياً، لذلك تأخذ أسوار الرقة شكل نعل الفرس تبدأ من باب بغداد الواقع في الجهة الشرقية إلى الشمال ثم إلى الغرب ثم إلى الجنوب حتى تصل إلى الباب الغربي الذي زالت معالمه الآن وهو الباب المناظر لباب بغداد الذي مازال محافظاً على عناصره المعمارية.
*الطابوق المشوي
كانت أغلب أبواب الرقة مبنية من الطابوق "الطين المشوي" والى جانب كل باب منها كان يقوم برج عال مستدير نصف قطره 8 ،7 أمتار ولا يزال برج باب بغداد ماثلاً، في حين اندثرت أبراج الأبواب الأخرى بسبب اعتماد سكان الرقة حتى فترة ما بين الحربين العالميتين على أطلال الرقة في استخراج الطابوق لبناء بيوتهم ومنشآتهم كما نجد البوابات الصغيرة "الطاقات" في جسم السور الداخلي وسهولة الاتصال بين المرابطين على السورين في الصعود والهبوط منها وعلى جسم السور الداخلي ومن تلك الأبواب، وتمتد الشوارع الرئيسية داخل مدينة الرافقة -الاسم القديم للرقة- كما تمتد إلى الرحبة المركزية في وسط المدينة، حيث قصر الإمارة والمسجد الجامع وبما أن النظام الدفاعي للرافقة وبغداد متشابه، فاللافت للنظر– كما يقول الباحث الأثري "ميخائيل ماينكة" في دراسة له بعنوان "الرقة على الفرات – الحفريات الراهنة– في عاصمة هارون الرشيد–"إن تحصينات الرافقة تبدو أقوى من التحصينات الكائنة في بغداد بدليل أن الارتفاع الأعظمي لأسوار الرافقة يصل في الأصل إلى حوالي 18 م وسمكها 6، 2 م فأسوار الرافقة ليست أكثر سمكاً من الأسوار المنقرضة لبغداد فحسب بل هي "مصمتة" أكثر من الناحية الإنشائية، وعلى النقيض من بغداد ذات الأسوار المشيّدة باللُبن غير المشوي – كما تذكر المصادر – فإن أسوار الرافقة كانت مدعَّمة بواجهة تتألف من طبقات من اللُبن المشوي.
*خندق مبلّط
ويحيط بالأسوار الخارجية خندق كان يتزود من نهر الفرات وبعد فترة من إنشاء الأسوار أعتُمد على تزويد الخندق من قناة النيل التي حُفرت في عهد الرشيد ويبلغ عرض الخندق من الأسفل 5 ،9 م ومن الأعلى 90،15 وكان هذا الخندق مبلطاً من جانبيه وقعره بالأجر لمنع نفوذ المياه وحماية أساسات الأسوار والبوابات.
يُذكر أن مدينة الرقة التي تتناهبها القوى والتحالفات اليوم عاشت في كنف العصر الإسلامي عامرة زاهرة بفضل موقعها الجغرافي الممتاز ومركزها التجاري الهام وحاصلاتها الزراعية المتنوعة التي كانت تموَّن الجيوش وتمد المناطق الأخرى بخيراتها الوفيرة، وقد أهَّل لها موقعها المشرف على القبائل العربية في الجزيرة الفراتية أن تكون درعاً للشام وقاعدة لانطلاق الجيوش إلى الشمال والشرق.
وظلت هذه المدينة من كبرى أمهات المدن العربية الإسلامية حتى أواسط القرن الرابع الهجري حيث أخذ نجمها الساطع بالأفول وانتابها بعض الجمود والذبول.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية