تقوم إحدى المنظمات السورية الثورية ومنذ أكثر من نصف عام، بإجراء حوارات مع مفكرين وناشطين وسياسيين بارزين في الثورة السورية، للتعرف من خلالهم على أبرز الأخطاء التي ارتكبها السوريون وحالت دون نجاح ثورتهم حتى الآن، ومن ثم ما هي الحلول والآفاق لتصحيح مسار الثورة وتحقيق أهدافها.
وتحظى هذه الحوارات بمتابعة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبح لها جمهور بالآلاف، ويتفاعل معها نخبة المثقفين السوريين، رغم أن ما تنتجه من رؤى وحلول هو أقل بكثير مما تنتجه من تحليلات وتفسيرات عن كيف وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم، وكأن المقصود منها هو تدارك الأخطاء عند القيام بثورة أخرى، وليس تصحيح مسار الثورة الحالية.
بكل الأحوال، هذه الحوارات برأيي، مما يفتح عمل الشيطان، لأنها تستخدم كلمة "لو" بكثرة، لكنها بنفس الوقت مهمة وضرورية، لمن يريدون التعرف على أسباب أكبر خيبة تعرض لها الشعب السوري في تاريخه السابق والمعاصر، والتي لا ينجو أي طرف من أسبابها، بما فيها المعارضة.
ولعل أبرز المتحدثين في هذه الحوارات هو الدكتور "برهان غليون"، الذي تجاوزت عدد ساعات محاورته العشرين ساعة، وفيها قدم عرضا شيقا عن المجتمع السوري منذ الاحتلال الفرنسي وحتى اليوم، مع الوقوف مطولا عند الثورة السورية والفترة التي تولى فيها رئاسة المجلس الوطني وملاحظاته على أداء المعارضة والثورة والموقف الدولي في ذلك الوقت، ومجمل الظروف التي ساهمت برأيه، دون أن تحقق الثورة هدفها في إسقاط النظام.
بكل تأكيد لا ننوي تلخيص ما ورد في تلك الحوارات، فهي موجودة ومتوفرة، وننصح بالعودة إليها، لأن فيها الكثير من الأفكار المؤسسة لمجتمع سوري صحيح ... ولكن على ما يبدو بعد فوات الأوان..!!
من الطبيعي أن يزدهر الحديث اليوم عن أسباب عدم تحقيق الثورة السورية لأهدافها حتى الآن، بل إن الناشطين بدأوا هذه "اللطمية" منذ أكثر من ثلاث سنوات، عندما أخذوا يتحدثون عن أسباب تأخر النصر، على سبيل السخرية، ويعزونها لسلوكيات بعض الثوار والفصائل المقاتلة على الأرض، وهو ما يعني أن الإحساس بارتكاب الأخطاء ليس وليد الفترة الحالية، وإنما يعود إلى السنوات الأولى، وبالتحديد إلى فترة الانتقال من فكرة الجيش الحر إلى فكرة الكتائب والرايات الإسلامية، وعندما لم يعد ابن حمص قادرا على القتال في درعا، وابن درعا غير قادر على القتال في حلب، واضطر كل منهم للعودة والقتال بين أهله وعشيرته وأبناء حارته، وهي فترة يمكن تحديد بداياتها بعد منتصف العام 2012.
بالفعل، منذ ذلك التاريخ أحس السوريون، أن ثورتهم دخلت في نفق مظلم، رغم كل ما حققه الثوار من انتصارات على الأرض، حتى بات النظام لا يسيطر سوى على 20 بالمئة من مساحة سوريا في العام 2014، لكن كل هذه الانتصارات، لم تجعل السوريين يدركون قرب انهيار النظام، لأنها كانت تجري بعيدا عن معقله الأساسي من جهة، وتحاول من جهة أخرى أن تؤسس لدويلات وأنظمة أخرى على الأرض السورية، غير النظام القائم، وبحجة إدارة المناطق المحررة.
دعونا نعترف، بأننا لم نسع إلى إسقاط النظام منذ البداية، وإنما كل منا حاول أن يحمي بيته ويستقل به، ظنا منه أن ذلك يدفع الخطر عنه و يحرره، كنا ببساطة نبحث عن "فرحات" مؤقتة، من خلال دحر قوات النظام من على الحاجز "الفلاني" أو إخراجه من الحي "العلاني"، والكل كان يتعامل مع فكرة إسقاط النظام، على أنه سطل ماء، كلما أخذت منه كأسا لا بد أن ينقص.. !! وكان ممنوعا علينا طرح الأسئلة الواقعية عن جدوى هذه الأعمال بعيدا عن رأس النظام، أو ماذا لو أن سطل الماء هذا، تغذيه حنفية..؟ كان على الفور يتم اتهامك بأنك تسعى لوهن نفسية الثوار والتقليل من إنجازاتهم، هذا إذا لم يتم تخوينك وبأنك مرتبط بالنظام وتعمل لصالحه.
لقد تميزت الفترة بعد العام 2013، بخروج عدد كبير من عقلاء الثورة، من العمل والتفكير داخلها، وأصبح الثائر الفعلي هو ذاك صاحب الصوت الجهوري ومن يستطيع أن يشتم النظام وأعوانه بأقذع العبارات، وفي فترة لاحقة أصبح من يستطيع أن يشتم المعارضة ويفضح سراق الثورة والعملاء، وبكل الأحوال هذه الفكرة لا تزال قائمة حتى الآن.
وسط هذا الخراب، يجد المرء نفسه وهو يستمع، لهذا الحوار الهادئ والراقي بين المثقفين والسياسيين السوريين، وكأنه يرتد له عقله، بعد أن فقده لسنوات طويلة.
هذه الحوارات كان يجب أن تجري في بداية الثورة، أو على أقل تقدير بعد عامها الأول، لأنه بحسب "برهان غليون"، منذ العام 2012، تبين أن النظام أعقد من أن يتم إسقاطه في ثورة شعبية أو بكتائب الجيش الحر وغيرها من الكتائب التي تأسست فيما بعد وتحت شعارات إسلامية، وحتى الرهان على موقف دولي يزيل النظام، بدا واضحا في تلك الفترة أنه لن يتبلور مثل هذا الموقف، وهو ما يدعو للتساؤل: إذا، ما الذي كانت تراهن عليه المعارضة ما دامت كل هذه التحديات تواجه الثورة، ولماذا لم يخرجوا ويصارحوا الناس في فترة مبكرة بكل هذه الوقائع..؟!
الجواب، وما فائدة "لو" و"لولا" و"لماذا" في هذا الوقت؟!
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية