أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تتمة حكاية العماد "صقر حلب".. قصة تغلغل في الكويت عمرها ربع قرن أنهتها "الجزيرة" و10 ملايين

• "فهيم" اعتبر مكافأة تصيد الصحافيين "فدية"
• أعطي "فهيم" فرصة على شاشة النظام لا يمكن أن ينالها بشار نفسه
• توسل المتمول الشبيح قناة الجزيرة لمنحه فرصة الكلام، وبعد أيام أعلن عن مكافأته المليونية 
• ما يزال هروب أو تهريب "فهيم" من الكويت لغزا رغم مضي 4 سنوات

أبرزت عناوين الأخبار السورية يوم السبت نبأ مصرع واحد من أهم ضباط النظام الطائفيين، وأكثرهم فعالية في المعارك التي شهدتها محافظة حلب، حتى أطلق عليه الموالون لقب "صقر حلب".

لكن مصرع "العماد وهيب غانم صقر" غطى على جزء مهم من الحكاية، يتمثل في شخص آخر لايقل أهمية عن "وهيب" في خدمة آل الأسد، وهو شقيقه " فهيم غانم صقر"، المتمول الشبيح، الذي لم يدع فرصة لمحاربة السوريين وثورتهم إلا شارك فيها.


*90 من 18
كان "فهيم صقر" أحد أذرع النظام الناشطة ماليا في دولة الكويت منذ نحو ربع قرن، تحت غطاء "رجل أعمال"، وعندما اندلعت الثورة لم يتأخر لحظة عن دعمه لآل الأسد، فظهر مرارا وتكرارا على الشاشات، ومنها شاشات النظام، معلنا موقفه بكل وضوح دون أن يقيم أي اعتبار لوجوده على أرض بلد كانت تغلي بالاحتقان من مجازر النظام بحق السوريين، ونعني بها الكويت.

في ربيع 2013، ظهر "فهيم صقر" على شاشة النظام مع الإعلامي المعروف بشدة ولائه "جعفر أحمد"، وكان السؤال الأول حول سبب عودته إلى سوريا، فأجاب "فهيم": "لقد دفعني بالعودة إلى سوريا لأن سوريا هي أمي وأبي، عدت إلى سوريا من خلال ذاك الاتصال مع شخصك الكريم (جعفر أحمد).. كنت متردد في العدة لكن عند الاتصال مع محطتكم الموقرة وتقدمتي تلك الفدية المالية لمراسلي الجزيرة حدثت لي بعض المصاعب".

وهنا تدخل المذيع لتصحيح ما قاله "فهيم" حول "الفدية"، وأنها مكافأة للقبض عليهم، لكن "فهيم" تابع مصرا على توصيفه، قائلا: "كانت تلك الفدية مقدمة من خلال دراستي ومعلوماتي وما سمعته عما يدور على الأرض السورية.. إنهم يعملون جاهدون ليلا ونهار، سرا وعلانية، على تحطيم القيم السورية والدولة السورية، من خلال شراء بعض النفوس الضعيفة بالمال، وكان المال ليس هذا المال وجد من أجل سوريا، فكانت تقدمتي إليهم إن كنتم تريدون أن تشتروا ذاك النفوس فهذا المال بين يديكم".

وأعاد "فهيم" التأكيد على أنه بالفعل عرض 10 ملايين ليرة على أي شخص يقبض على مراسل قناة الجزيرة في سوريا، لكنه زعم أن المكافأة (الفدية حسب توصيفه) مخصصة فقط للقبض على المراسل، دون إيذائه أو قتله، فقط القبض عليه وتسليمه لأجهزة أمن النظام!

وأبدى "فهيم" حينها استغرابه الشديد من ملاحقته جراء دعوته التحريضية ضد الصحافيين، متسائلا: "على ماذا يفعلون ذلك، ماذا فعلت أنا؟! هل هي جزائي وحبي وشقاء عيالي في المهجر أن أقدم فدية لأحافظ على إخوتي سواء من الموالاة أو المعارضة... إن كان بنظرهم أنني شبيح لوطني فهذا فخر لي ووسام".

اللقاء بدا وبشكل فج مجرد دعاية مجانية لـ"فهيم صقر" تمت على الغالب بتوجيهات وضغوط عليا، لعبت فيها اعتبارات الطائفة والمحسوبيات دورها، ولم يكن للاعتبارات المهنية فيها أي نصيب، كما هو حال كثير من المواد التي ينشرها إعلام النظام ويبثها.

فرغم ضحالة مستوى "فهيم" في التفكير والتعبير، وخلطه المثير للشفقة بين الموضوعات، فقد كانت مدة اللقاء كلها (أكثر من 18 دقيقة) محجوزة لـ" الأستاذ فهيم" –كما لقبه المذيع- ليلقي فيها محاضرته على المشاهدين، ولم يتحول الميكرفون أو الكاميرا عن وجه "فهيم" إلا لحظات قصيرة فقط، حيث اقتصرت مشاركة المذيع على 3 أسئلة ومداخلة وختام لم تتجاوز مدتها 90 ثانية!، وهذا ما لا يمكن أن يحدث في لقاء مع رئيس جمهورية من العيار الديكتاتوري الفاقع ولو كان بشار نفسه؛ ما يكشف بوضوح طبيعة العقليات والحسابات التي تسيطر على إعلام الأسد.

*أقبل أحذيتكم
وبينما كان الملل والوجوم يسيطران على المذيع، مضى "فهيم" في كلامه ليقول إنه تفاجأ بالتهديدات والفتاوى التي "انهارت" عليه (يقصد انهالت)، زاعما أن السلطات الكويتية أصدرت أمرا باعتقاله "خلال ساعات" من إعلانه رصد المكافأة الكبيرة لمن يقبض على مراسل الجزيرة، لكن "فهيم" استدرك قائلا إن مسؤولا كويتيا اتصل به وأمهله 8 ساعات للخروج من الكويت.

"فهيم" الذي مكث في الخليج –الكويت تحديدا- مدة تقارب ربع قرن (23 عاما)، لم يتورع عن مهاجمة من سماهم "الوهابيين التكفيريين" من الكويتيين، بل وصل به الأمر لمطالبة السلطات هناك باعتقال نواب كويتيين معروفين بدعمهم للثورة السورية، متحدثا بلغة من يعتقد أن هذه السلطات تأتمر بأمره.

ومما كشف عنه "فهيم" في لقائه، قيامه برفع 32 قضية في الكويت ضد الذين "حللوا سفك دمي"، واصفا الربيع العربي بأنه ربيع الذل والربيع الإسرائيلي وربيع آل سعود وربيع آل قينقاع.

وبعد طول حديث واستئثار من "فهيم"، سنحت للمذيع فرصة فسأله بإيجاز عن "الطبيعة المثلى للاقتصاد السوري"، لكن "رجل الأعمال" انبرى للحديث عن "الاستعمار العثماني والفرنسي"، ليخلص إلى أن "الاستعمار والعدو الصهيوني والإرهاب" اجتمعوا على بشار الأسد، قبل أن يتجه للكلام عن إيران في أيام الشاه وأيام "ثورة" الخميني".

وختم "فهيم" جوابه المفترض على هذا السؤال، قائلا: "سوريا بعد سنتين وثلاث وهي واقفة ومشرعة أبوابها الرسمية لكل الداخلين والخارجين".

ثم سأله المذيع عن سياسة "التوجه شرقا" وفائدتها في إغلاق أبواب الفساد الذي جلبه الانفتاح على الغرب، فعاد "فهيم" لخلط الحابل بالنابل، متحدثا عن أن الغرب بكل قوته اتجه شرقا نحو الصين، وأن فرنسا منعت وصول نحو 250 حاوية بضائع من الصين إلى أراضيها؛ لأن دخول تلك الحاويات سيدمر الاقتصاد الفرنسي حسب تعبيره.

وخلص "فهيم" إلى القول: "الوضع على الأرض السورية وضع ثابت والليرة السورية والشعب السوري والقيادة السورية متماسكة، ولذلك سنتجه شرقاً وسنتجه غرباً، وهم الغرب سيأتي إلينا".

ثم وجه "فهيم" رسالة لجيش النظام، قائلا: "أقبل أحذيتكم فردا فردا، أنتم تسهرون في الليل لننام في الليل"، كما وجه "التحية والشكر الكبير" لبشار، مخاطبا إياه: "سر ياسيدي الرئيس، العالم كله معك، والله لانعول على تلك الحكام.. والله لو تحدث انتخابات في السعودية لينجح (يقصد لنجح) السيد الرئيس في السعودية، ولن أقل (يقصد لن أقول) لك في سوريا، والله وأنا أقسم وأجزم بهذه المعلومة، الشعب السعودي كله بالكامل معك، إلا هؤلاء القلة القليلة الصهيونيين الكفرة التكفريين السلفيين الإرهابيين".

وفي نهاية كلامه، رجا "فهيم" من الله أن لاينفد صبر بشار على الدول المجاورة، لأن "دمشق ليست أغلى من الرياض ودمشق ليست أغلى من الدوحة ودمشق ليست أغلى من اسطنبول"، وهو يقصد العكس لأنه قال إن اهتزاز "دمشق" سيعني أن كل المنطقة ستهتز.

*ازدواجية مزمنة
المفارقة التي وقعت عليها "زمان الوصل" وهي تعيد فتح ملف "فهيم"، والتي تكشف جوهر موالي النظام وازدواجيتهم المزمنة تجاه من يهاجمونه ثم يتوسلونه، هي أن هذا المتمول (فهيم) الذي طالب بتصيد مراسلي الجزيرة واعتقالهم، هو نفسه اتصل قبل أيام قليلة من إعلان مكافأته ذات العشرة ملايين.. اتصل على قناة الجزيرة في شهر آذار 2013 راجيا المذيع أن يفسح له المجال ليقول رأيه بحرية، فمنحه مذيع الجزيرة الفرصة ليقول ما يريد في تأييد النظام على الهواء مباشرة. 



بعد اتصاله على الجزيرة وتصنعه احترام حرية التعبير وتغنيه بجمال التنوع في الآراء، لم يلبث "فهيم" سوى قليلا ليتصل في 31 آذار/مارس 2013 على "الفضائية السورية"، ويتحدث في برنامج يديره "جعفر أحمد" نفسه، بحضور "شادي حلوة".

وبدأ "فهيم" اتصاله بجملته المعلبة التي يكررها في كل ظهور له: "الرحمة للشهداء والشفاء العاجل لجميع المصابين مدنيين وعسكريين، سوريين فقط، والنصر الأكيد المؤزر لسوريا شعبا وقيادة وقائدا"، وهي نفس الجملة التي نطق بها من قبل في مستهل حديثه على "الجزيرة"!.
وبعد تحيته لشادي حلوة، وإشادته بإعلام نظام "الصادق" وتشنيعه على إعلام الآخرين "الكاذب"، قال "فهيم": باسمي الشخصي أعلن عبر الفضائية السورية على الإخوة المواطنين بأن أي شخص يعتقل أحد مراسلي الجزيرة أو العربية.. أعلن مبادرة باسمي الشخصي عن 10 مليون ليرة سورية لكل من يعتقل أو يمسك هؤلاء المراسلين".


وحينها، ضج الكويتيون المهتمون بحقوق الإعلام والمناصرون للثورة السورية بعرض "فهيم" الصريح الذي يطالب فيه بتصيد "الإعلاميين"، لاسيما أن هذا العرض صدر من المتمول وهو يقيم على الأرض الكويتية.

وتم تصعيد الأمر، وتولت "الجزيرة" نفسها نشر خبر المكافأة، مع استطلاع رد فعل السلطات الكويتية، حيث أدان وزير الإعلام الكويتي حينها خطوة "فهيم"، دون أن يفصح عن تفاصيل أي إجراءات عملية تجاهه.



ومع تفاعل قضية "فهيم" وتفاقمها، هرب المتمول الشبيح، أو جرى تهريبه، من الكويت نحو لبنان، ومنها إلى حضن نظامه في دمشق، دون أن تتضح حتى الآن ملابسات إفلاته من المساءلة والعقاب والاعتقال في الكويت، بتهمة التحريض العلني ضد الصحافيين، رغم مرور ما يزيد عن 4 سنوات. 

*من جبلة 
ومطلع الشهر الجاري، نعى موالون "العماد وهيب غانم صقر" الملقب لديهم "صقر حلب"، والذي لقي مصرعه مع اللواء المتقاعد "غسان الراشد"، والنقيب "مضر حماد"، في انفجار عبوة ناسفة بسيارتهم في قرية "رسم حميد" قرب "مسكنة" بريف حلب الشرقي.

ويتحدر "صقر" من قرية "بزاما" في ريف جبلة، وقد حظي بـ"ترفيعين" متواليين في نفس يوم مقتله، الأول جاء ضمن أوامر الترفيع المعتادة التي يصدرها النظام في الأول من تموز/ يوليو كل عام، حيث جرى ترقيته من عميد إلى لواء؛ ليرقى بعدها وفي نفس اليوم إلى رتبة "عماد" إثر مصرعه، حيث جرت العادة أن يمنح النظام قتلاه رتبة أعلى فور مقتلهم.

أما "فهيم" فقد كان يعمل في الكويت تحت ستار "تاجر" في مجال "مستلزمات صالونات التجميل"، وعندما اندلعت الثورة بدأ ظهوره على الشاشات يتكثف متحدثا بصفة "رجل أعمال سوري مقيم في الكويت".

*تنويه:
نقلت "زمان الوصل" حديث "فهيم صقر" على شاشة النظام كما قاله بكل خلطه وتفككه وأخطائه التعبيرية واللغوية، ولذا وجب التنويه أن الأمر لا يتعلق بأخطاء تحريرية أو لغوية من الجريدة. ( للاطلاع يمكن العودة لتسجيل لقاء فهيم على شاشة النظام).

إيثار عبدالحق - زمان الوصل
(198)    هل أعجبتك المقالة (227)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي