أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ماذا فعلت بنا "الجزيرة"؟.. ناصر علي*

أرشيف

لماذا يصر الخليجيون اليوم على إغلاق قناة "الجزيرة" القطرية، فقط لأنها قطرية وتبث "سمومها" لاقتلاع الاستقرار العربي من جذوره، والتحريض على "الانقلاب والإرهاب؟".

لماذا يكون هذا المطلب هو جوهر الورقة الخليجية لإعادة قطر إلى حضنها الخليجي، ورفع الحصار عنها، وإيقاف الحملات الإعلامية ضدها، والتحريض عليها عالمية وانتزاع كل إنجازاتها الاقتصادية والرياضية والاجتماعية، وتحويلها لجزيرة معزولة؟.

ما الذي فعلته بنا "الجزيرة"، وما الدور التخريبي الذي مارسته طوال 20 عاما من انطلاقتها لتحصد أكبر متابعة من الجمهور العربي الذي كان نائماً على إيقاع القنوات الأرضية الحكومية الرسمية التي تسمعه صباح مساء خطابات أولي الأمر فينا على أنها الحقيقة الوحيدة التي لا يجب أن نلتفت لسواها؟.

العسكر والأمراء العرب، ومن بقي من أتباع الزمن العربي الرديء وحدهم من يرون أن لا حل لأزمات الأمة الراهنة إلا باقتلاع عين قطر وإعادة تدوير الخطاب الرسمي على مسامع الجماهير التي استفاقت على حقيقة تعرفها هي أن هؤلاء أكبر أسباب هوان الأمة وتخلفها، وأنهم وحدهم الطغاة العملاء، كبار وسفاحون على شعوبهم وأذلاء أمام الآخرين أياً كان هؤلاء الآخرون.

العسكر الذين افتضت بكارة صلفهم في برامج كانت محرمة على آذان الجماهير في أنهم عملاء مخصيون، وأنهم باعوا أوطانهم من أجل كراسي التوريث في سورية ومصر ودول الصمود والتصدي التي كلفت خزائن تلك الدول ثرواتها في سبيل شراء سلاح التوازن الذي استخدم في محاربة الشعوب بدل الأعداء؟.

العسكر الذين أمعنوا في إهانة شباب العرب الأحرار في الشوارع والسجون وأقبية الاغتصاب والتعذيب هم اليوم من يرون في "الجزيرة" عدواً يجب أن يقفل فمه وعيونه إلى الأبد، وأن على الشعوب أن تعود صاغرة إلى قنوات الإعلام الواحد الذي يفتتح برامجه باسم القائد، وينام باكراً على تعداد مناقبه.

"الجزيرة" فضحت على مدار عشرين عاماً المستور المسكوت عنه، ومع علم تلك الشعوب بخصال وخسة قادتها إلى أنها لم تكن لتجرؤ على العصيان والصراخ لولا أن شدت "الجزيرة" من أزرها بأن كانت العين الكبيرة التي نقلت فظائع العسكر والأمراء في لهوهم وطغيانهم، وكانت صوت الشارع الذي التقط همسه وعويل مفجوعيه.

قد يرى البعض فيما مضى غزلاً مأجوراً، ولكنها الحقيقة التي يجب ان تقال دون غض الطرف عن أخطاء "الجزيرة" وانتماءاتها الضيقة الخطرة أحياناً، إلا أنه لولا "الجزيرة" لمات من مات من السوريين بصمت وتعتيم كما مات أسلافهم في (حماة) المجزرة الكبرى (للقائد الكبير حينها) حافظ الأسد. 

قنوات سفك الدم السوري، كما أطق عليها هذا الاسم ساسة النظام السوري وإعلامه تتضامن اليوم ضد "الجزيرة"، وهي التي حاولت أن تكون نسخة منها (العربية والحدث وسكاي نيوز) ابنتا المشايخ والأمراء والعسكر، ومعها كل قنوات الإعلام الرسمي في دول الحصار ... اليوم تتبرأ من "الجزيرة"، وترى فيها لعنة على أنظمتها ومموليها.

ليست "الجزيرة" إعلاماً بلا خطايا وعثرات، ولكنها أيضاً آخر أنفاس الربيع العربي.

*من كتاب "زمان الوصل"
(171)    هل أعجبتك المقالة (172)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي