أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

يوم توليت منصب وزير الدفاع مصطفى طلاس.. علي عيد*

بشار وطلاس - أرشيف

قبل الخوض بعنوان المقال أذكر من الحوادث الطريفة أنني كنت ذات يوم مدعوا لحفل غداء عامّ وبرفقتي فتاة بهيّة الجمال، كان ذلك قبل نحو 17 عاما.. يومها عند مدخل المطعم (قصر النبلاء) تواجهنا بوزير الدفاع مصطفى طلاس رفقة نظيره الإيراني علي شمخاني، ولأنني كنت التقيته مع صديق لبضع دقائق قبلها بشهر لترتيب تفاصيل مقابلة لمجلة "الحوادث" اللندنية اعتقدت أنه مازال يتذكرني، تقدمت نحوه وأنا أرفع الصوت: سيادة الوزير ... واستغربت أنه يواجهني بضحكة كبيرة أهلا أهلا .. فجأة وإذ به يأخذ الفتاة التي بصحبتي بالأحضان وكأنني خيال تلاشى أمام الرجل، شعرت بالخجل الشديد وازدادت دهشتي عندما سألها عن اسمها ثم قدم لها بطاقة برقم هاتفه وقال لها كلميني متى شئتِ.

هكذا هو مصطفى طلاس، رجل القصص والحكايات، والتجليات، وظريف المرحلة المرتبط بالشطرنج والطبخ والنساء وجمع نوادر الشعر. 

أما أنا الذي توليت منصبه فكان ذلك قبل نحو عام ونصف من تلك الواقعة، إذ أديت الخدمة الإلزامية في فرع الإعلام بالإدارة السياسية للجيش، وبعد وقت قصير من مباشرتي في هذه الإدارة استدعاني رئيس الفرع ووضع في يدي قائمة من الأسئلة وجَّهَتها مجلة لبنانية إلى وزير الدفاع طلاس، طالباً مني الإجابة على تلك الأسئلة خلال أيام، لم أعرف ماذا أقول للضابط، وكان عليّ أن أنفذ الأمر دون كثير من التساؤلات. 

حملت الأسئلة وجلست على مكتبي مدهوشاً ومنتشياً لأن الضابط المسؤول أثنى على أدائي خلال الخدمة مع معرفته بأنني عملت في حقل الصحافة قبل ذلك، لكن، بماذا سأجيب على أسئلة فخمة ومصيرية تتحدث عن إسرائيل والصراع التاريخي، وفلسطين ولبنان وحافظ الأسد وحزب البعث، وقضايا تحتاج رفيقاً أمضى 50 عاماً على الأقل وهو يقرأ جريدة البعث وينهل من فكر القيادة ونظرياتها في الصراع.

سألت بعض "رفاق السلاح" فأخذني أحدهم جانباً ويكاد يغشى عليه من الضحك، قال لي إنها مسألة معروفة، فوزير الدفاع عادة لا يجيب شخصيا على أسئلة الصحفيين، بل يحولها إلى الإدارة السياسة التي تكلف بدورها أحد الإعلاميين، وبما أن كلّ الموجودين يمتلكون من لغة الخشب ما يمنع من ابتكار نمط جديد من الإجابات، تم اختيارك ـ على ما يبدوـ من قبل مدير الإدارة، وسيتم تنقيح وفلترة ما تكتبه قبل إعادته إلى مكتب وزير الدفاع، لكنني كما ذكرت للشخص الذي شرح لي المسألة لا أعرف بأي صيغة أجيب، أنا أستطيع أن أسأل حتى رئيس جمهورية أو ملكاً لكن ليس بوسعي الإجابة عنه، فكانت النصيحة عاجلةً "إلى الأرشيف يا رجل"، وهكذا فعلت. 

لا أدري إن كان ما قمت به جريمة يجب أن ألاحق عليها، إلا أنني لم أملك خياراً غير ذلك، فأنا عملت "مصطفى طلاس" لساعات أو أيام أو بدوام جزئي، ودون مقابل أو رغبة، لكن "بشوفة حال" لصحفي لم يكمل من العمر وقتها 24 عاماً، ولا أعلم كم من السوريين خضعوا لتلك التجربة، ومن منهم أعجبته فذهب فيها إلى الآخر، ومن منهم لم تعجبه فانسحب بهدوء من البلد كلّها كما فعلت أنا بعدها بوقت.

والحقيقة أنني لا أعرف إن كان أبناء طلاس نفسهم ضحايا تلك التجربة مع أبيهم، وهي تجربة لا يمكن تبديلها أو تغييرها عندما تتعلق بأب وأبنائه، وتحت إغراء الحكم والمال، ثم ما الذي يمنع أن يرفض الابن لاحقا تلك المرحلة ويضع نفسه أمام عدالة الشعب إذا استطاع العبور بثورته نحو تغيير النظام.

مات مصطفى طلاس الشريك، وأحد الحلقات المهمة في حقبة حافظ وبشار الأسد وقبلها، وأحد ركائز الانقلاب على أمين الحافظ عام 1966، مات الجنرال قائد المنطقة الوسطى ثم رئيس الأركان ثم وزير الدفاع لعقود تخللتها عواصف وصراعات داخلية وخارجية.

طلاس لم يكن "نكتة" كما يعتقد كثيرون، فهو عمود أساسي في إرساء حكم حافظ الأسد، ومنفذ لسياساته وشريك في مجازر الثمانينيات من القرن الماضي، وبموته لن تنكشف مرحلة مهمة باعتباره غادر سوريا دون أن تكون له إرادة بخلع أو إبقاء بشار الأسد وهو الذي استمر في حرسه القديم أربع سنوات ليخرج منه عام 2004.

في سنواته الأخيرة أضاع طلاس هيبته وفقد تركيزه نتيجة المرض وتقدمه في السنّ، إلا أنه سيكون جزءا من ذاكرة وتاريخ سوريا المعاصر، وسيكون عبئاً على مستقبل أبنائه، فهو أب رجل الأعمال فراس، والعميد المنشق مناف، وأرملة تاجر السلاح أكرم العجّة سيدة الأعمال ناهد، وليس معروفاً ما إذا كان باستطاعة آل طلاس تجاوز عقدة أبيهم، خصوصاً في هذه المرحلة الدقيقة.

يتصارع السوريون على مواقع "السوشال ميديا" حول نعي فراس طلاس لأبيه، وهذا جزء من الانهدام المادي المعنوي الذي وصلت إليه أحوالهم، ففراس ومناف اللذان أعلنا التحاقهما بثورة السوريين مُطالبان بما هو أكثر من الانسلاخ اجتماعياً، بينما لا يسع الابن إلا أن ينعي أباه، لكن المسألة الأعقد هي أن أحدا لا يستطيع إنكار حقّ الضحيّة، بينما لا يمكن أن يستقيم الحال دون عقلنة الخطاب، والانتقال من لغة الرغبة إلى لغة الواقع، ومن مصطلحات الانتقام إلى مطالب العدالة ومحاكمة المرحلة، ولعلّ الأخيرة على عقلنتها تبقى صعبة التحقق في ظل هذا العالم المتخبط والمنسحب من مسؤولياته، وفي ظل انهدام اللغة والقيم وضعف الأداء السياسي على المستوى المحلي. 

السوريون يحتاجون لموت مرحلة وليس موت شخص، على أن يذهب كلّ المشاركين في تلك المرحلة، وهو ما لن يتحقق في ضوء تعقيدات واحتلال وتدخلات دولية، وتداخلات عقدية وسياسية وسلطوية، وإلا فإن الثورة ستبقى ظاهرة "سوشال ميديا" بعد حين، السوريون الذين خرجوا على النظام أصبحوا عبئاً على أنفسهم وعلى العالم، هم لا ينظرون حولهم، ولا يعقلنون واقعهم، وليسوا مستعدين للانخراط في حلّ واحد، لأن كل واحد أو مجموعة صغيرة ينتمون إلى بيئة اجتماعية مغتربة عن غيرها، أو بيئة اقتصادية أو ثقافية غير محددة الملامح. السوريون اليوم هم ظاهرة أو أنهم جزء من ظاهرة.. ألا ترون كيف يحكم مجموعة من مغرّدي "تويتر" ملايين العرب.

*من كتاب "زمان الوصل"
(226)    هل أعجبتك المقالة (269)

شرحبيل

2017-07-22

الاستاذ علي عيد لقد تناولتم العماد الأول بمايخل بالشرف علماً أن الصفين الأوليين من أوسمته التي يزين بها صدره هي أربعة أوسمة اسمها في سجل المراسم العسكري ( وسام الشرف العسكري) والعماد الأول لايلقي بالاً إلى ترهاتك حول الحضن والتقبيل والشم والضم ، فهذه العادة في طبعه عرفتها قبلي وقبلك الست أم فراس زوجته المرحومة لمياء الجابري في حياتها وقبل مماتها ... وكثير من المغرضين أمثالي يتذكرون صورته مع لطيفة التونسية في معرض دمشق الدولي وهو يغمرها بنظرت الحب والحنان ...لكن مايخفى عليك أن العماد الشهم كان يشم ويضم الفتيات الصغيرات من أعمار العاشرة ومادون كلما زار مدارس بنات الشهداء في المزة ، وكانت ترافقه في جولته السيدة ( شهيرة فلوح ) التي لاحظت شغف العماد بالخدود الناضرة التي كانت إليه ناظرة ..فنقلت بعد الزيارة وساوسها إلى أبي سليم دعبول الذي نقل الملاحظة إلى الرئيس القائد الخالد ...فاتصل مع العماد وأشار عليه ألايقوم بمثل هذه الزيارة واقترح عليه أن يزور كلية البنات مع العماد الثاني علي قصلان عل طريق مطار دمشق بدلاً من بنات الشهداء فذلك أدنى للطمأنينة ...وللحديث بقية ....


شرحبيل

2017-07-23

لا أفهم ، لماذا لم يظهر تعليقي على مصطفى طلاس ..كيف سأكتب لكم عن وقائع أكثر مما كتبته لكم سابقاً ....مازلتم تراعون الخواطر بعد الكوارث التي حلت بالشعب السوري وثورته العظيمة .. ---- زمان الوصل: لم نحذف اي تعليق .


شرحبيل

2017-07-23

استطرادا للبوست السابق الذي يبين مناقب العماد الأول فقد استدعاني إلى مكتبه وقال : - بما أنك ضابط رفيع المستوى وسمعتك عطرة وعلمك واسع ومعروف عنك التقى ....! وصحيح أنك في مستودع الضباط في كلية القيادة والأركان ، فقد انتدبناك لتلقي محاضرات في الكلية العسكرية للبنات ..ولما طلبت منه إعفائي من المهمة ( وهي مهمة مشبوهة ) رفض رفضاً باتاً وقال : مرعلى العماد علي قصلان فسيزودك بالتعليمات ويعطيك المهمة ويخصص لك سيارة طيلة المهمة لأنه لاسيارة لديك ..!! واختصاراً للكلام متجاوزاً الكثير من التفاصيل ، انطلقت إلى طريق المطار الدولي حيث كلية البنات فتقدمت إلى المدير ونائبته فقادتني إلى القاعة الأولى وذهبت .... - مكانك تهياً ...! فوقفت الطالبات احتراماً للمدرس ..ثم أمرتهن العريفة : جلوس فجلسن ...طلبت ُ من العريفة على عادة المدرس في الكيات العسكرية وحتى في المدارس المدنية بكشف عن عدد الحضور والغياب ، فوقفت العريفة وقالت : - عدد الحضور 45 قردة ...والغائبات 3 قردات : واحدة متتجوز ، وواحدة متحبل ، والثالثة متولد ..... للحديث بقية ...................


التعليقات (3)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي