سوف يصعق أنصار الثورة السورية اليوم، وبعضهم بدأ بالسباب على العالم الخائن الغادر، وآخرون يرون أنها كفة إيران التي ترجح بعد تصريحات السفير الأمريكي السابق بدمشق (روبرت فورد) الذي اعتبر فيها، أن اللعبة انتهت في سوريا، وإيران انتصرت، وأمريكا خدعت أصدقاءها العرب والكرد.
سوف يصعق من كانوا يعتقدون أن الرئيس الفرنسي الشاب "ماكرون" هو آخر الأصدقاء الذين يرون في الأسد مجرماً يجب عليه الرحيل، والترحيل إلى لاهاي لمحاكمته على ما اقترفه بحق العب السوري من فظائع، ولكنها الوقائع التي تقول إن شيئاً ما حصل ليقول ماكرون ما قاله عن الأسد والصراع في سوريا.
ماكرون في تصريحاته المفاجئة عن شرعية الأسد، وأنه لا يرى بديلاً عنه، وأن فرنسا لا ترى في رحيله شرطاً مسبقاً لحل الصراع المستمر منذ ستة أعوام...ماكرون ماذا يريد أن يقول للعالم وتحديداً للسوريين المذبوحين في عرض البلاد وطولها، والمهجرين في كل أصقاع الأرض؟.
ماكرون ماذا يريد من جملته الثانية في وصف الأسد بأنه عدو للشعب السوري، ولكنه ليس عدواً لفرنسا، وأن أولوية باريس هي الالتزام التام بمحاربة الجماعات الإرهابية وضمان ألا تصبح سوريا دولة فاشلة؟.
اليوم سيبدأ كثيرون بعزف مقولات ترددت عن الأصدقاء الأعداء الجدد، عن الرشا التي تغير المواقف، عن الإرهاب شماعة العالم في حربه على الشعب السوري ومحاباة القاتل، وحلفائه الروس والإيرانيين.
اليوم لن ينام الناشطون والمثقفون والسياسيون المعارضون قبل أن يضعوا ملاحظاتهم عن أسباب التغير المفاجئ في الموقف الفرنسي، وكيف انقلب ماكرون على آرائه السابقة في محاربة الأسد بالقوة وأنه قاتل يجب أن يذهب إلى لاهاي، وأن فرنسا لن تتخلى عن الشعب السوري المظلوم، والعاقل منهم ربما يصمت للغد حتى تنجلي سحابة (البوستات)، والتحليلات التي ستفند ما حصل.
ربما يعترف بعض العقلاء بأننا خذلنا أنفسنا قبل أن يخذلنا العالم، خذلنا أنفسنا عسكرياُ وسياسياً وإنسانياً، عسكرياً عندما احتربنا واستغل الأسد احترابنا فوسع من سيطرته وسطوته، وسياسياً عندما لم نتخلّ عن "إخوة المنهج" فلوثوا صورتنا، وشوهوا ثورتنا، وإنسانياً عندما تركنا أهلنا للريح والطرقات التي لا تؤدي سوى إلى الموت غرقاً أو قتلاً.
أما ساسة ائتلافنا فطوال سنوات عمره المديدة لم يتوافقوا إلا على أمر به الممول، وانتقلوا من عاصمة لأخرى بحثاً عن التمويل والإقامات المؤقتة، وأما الحكومة المؤقتة فاستأثرت بالدعم لسيارات وزرائها وبيوتهم الأنيقة وإقاماتهم في دول اللجوء فيما الشعب في الداخل يذبح يومياً بسكاكين القتلة الذين جاء به الأسد من كل أصقاع الأرض.
بعد كل ما تقدم لا يسألن أحد لماذا تغير الموقف الفرنسي، ولماذا الصديق ماكرون غيّر موقفه المعادي للأسد، ويرى فيه اليوم الشرعي الوحيد رغم إجرامه، وأن من سيتخلون عنا قريباً يعدون أوراق مواقفهم الجديدة، وأما ما يجب علينا هو التوقف عن لوم الآخرين، والوقوف لمرة واحدة لحظة صدق مع ذواتنا، والإجابة عن السؤال الكبير ماذا فعلنا بأيدينا؟
*ناصر علي - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية