أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

التوبة من الثورة.. وعنها*

أرشيف

على استحياء أو بفجور يحاول الكثيرون ممن انضووا تحت علم الثورة أن يعودوا إلى ما كانوا عليه قبلها، وهذا شأن من خرج معتقداً أن الانحياز لحلم الأغلبية سيكون خياراً جيداً في المدى المنظور، وأنه لن يطول تحقيقه، وهؤلاء هم كثر، وهم اليوم من يعضون أصابع الندم على فكرة ليس لأنها لم تكن صائبة لكن نتائجها لم تكن دقيقة ومضمونة، وأنهم لم يعد بمقدورهم الاستمرار في دفع أثمان الوقوف مع الحق.

منْ هم هؤلاء الذين رفعوا رايات العودة إلى الوطن تحت أي راية كانت، ولكي لا نظلمهم (كما يقولون)... هم لا يريدون النظام لكنهم يريدون الوطن وحضنه وبعضهم يهمس دون الأسد.

هؤلاء هم...معارضون بارزون من داخل وخارج الأغلبية التي دفعت الثمن الأكبر من دم أبنائها وتدمير مدنها، وحتى لا يقفز بعض الجهلة ويتهمني بتخوين الطوائف الأخرى، فهؤلاء المعارضون هم قلة ومعروفون بالاسم، وهم اليوم يكيلون الشتائم لمن أسلم الثورة للمتطرفين، ويعددون مناقب الثورة السلمية الخضراء، ويترحمون على غياث مطر وكأنه مات بضربة وردة أو قبلة من عناصر النظام في مظاهرة ناعمة، وكأنهم لم ينتزعوا حنجرته ويشوهوا جسده الشاب.

هؤلاء فجأة أصيبوا بإغماءة في الذاكرة، ونسوا في حمأة حماستهم للرجوع إلى حضن الوطن أن النظام المجرم هو من دفع الشعب إلى القتال، وهو من هجّر وقصف وقتل، ورفع شعارات الطائفية لتجييش الرعاع الذين لم يعرفوا الشام إلا من أحاديث سائق النقل العام التي تذهب إلى قراهم محملة بأحلام الوظيفة أو الرتبة العسكرية المنحطة.

اليوم تشتم الثورة والمعارضة، وتوجه لها الاتهامات بأقذع ألفاظ السباب، الثورة بريئة من كل هذا لأنها ولدت وحيدة، وأما المعارضة لا يختلف عاقلان على أنها حَوت أصنافاً من الانتهازيين والنفعيين، واخترقت من كل أجهزة مخابرات الأرض.

من هؤلاء... بعض السيدات اللواتي بدأن منذ فترة ليست بالوجيزة العزف على وتر الحنين إلى مطاعم الشام وربوتها وساحلها وسيراناتها، أما في السياسة فالعسكري السوري أشرف ألف مرة من أصحاب الذقون الذي يذبحون على الهوية، وأن العلم السوري هو من يجمعنا دون علم الانتداب.

معارضون ذكور انقلبوا على عدائهم للأسد ونظامه، واصطفوا إلى جانب خطاب منصات موسكو والقاهرة وحميميم دون أن ينتموا لها علناً لكنهم يتبنون نفس المصطلحات، ويخوضون حروباً فيسبوكية طاحنة لإثبات أن المعارضة ملوثة ومهزومة وعميلة، وأن النظام في طريقه لإعلان النصر.

بالتأكيد أن المعارضة السورية في أشد أوقاتها حرجاً وضعفاً، وأنها متروكة للريح بعد أن دخل الداعمون في صراع التخلي عنها، وفي صراع بينهم للبراءة منها.

بالتأكيد أيضاً أن المعارضة السورية مطالبة أكثر من أي وقت مضى بإعادة بلورة خطاب أكثر توازناً ونضجاً، وأن تعي أنها بخلافاتها وتناحراتها تعطي الفرصة للنظام لتوجيه طلقة الرحمة على فكرة الثورة وليس على أجساد أعضائها المتهالكة.

أما لأولئك الراغبين بالعودة إلى حضن الوطن وقائده فلا تتورطوا بالشتائم وتلعنوا ما خرجتم لأجله ليس من أجل الثورة التي تغنيتم بها، فأنتم أصغر من تلويثها بل من أجل تاريخكم الشخصي وهتافاتكم المتلفزة التي قبضتم لأجلها آلاف الدولارات من قنوات "سفك الدم السوري" التي تشتمونها الآن على اعتبار أنها خدعتكم.
التوبة من الثورة أو عنها لا تجعل منها كفراً.

*ناصر علي - من كتاب "زمان الوصل"
(170)    هل أعجبتك المقالة (173)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي