أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سيلفي النظام والتنظيم.. عبد السلام حاج بكري*

أرشيف

أما وقد دخلت أمريكا في معركة الصحراء السورية، وأعلنت عن مشاركتها من الجو ودعمها لقوات سوريّة تنتشر على الرمال الحارقة، فقد لجأ النظام إلى خطة جديدة تقوم على الاستفادة من أي تراجع محتمل لتنظيم الدولة تحت وطأة الضربات الجوية من طيران التحالف.

النظام بذلك يقتدي بالأسلوب الذي اتبعته قوات "قسد" وهي التي سعت بكل ما تستطيع من أجل مجاورة حدود "دولة الخلافة" شمال حلب وفي الرقة والحسكة بطبيعة الحال، وهي تتقدم إلى أي نقطة تنسحب منها وترفع راياتها الصفراء، وهذه غاية الجيرة.

بالنظر إلى آخر تحديثات الخريطة السورية، يلاحظ أن النظام نجح في تحقيق الجزء الأول من خطته، وهو إبعاد الجيش الحر عن حدود تنظيم "الدولة" وحرمانه من مكاسب ملء فراغ انسحاباته، حيث وصلت قواته إلى الحدود العراقية استعدادا للتقدم على مساحات إضافية من جغرافيا هذا التنظيم.

من شمال حلب إلى شرق معبر التنف يتجاور العدوّان "اللدودان" نظام الأسد القرداحي وتنظيم "أبو بكر البغدادي"، يتقدم أحدهما إلى مواقع الآخر عبر معارك يتم التخطيط المشترك لها بينهما، ولا مانع من اشتراك مخرجين محترفين في تنفيذها، حيث يسقط عدد من القتلى من الطرفين، وينهزم أحدهما أمام الأخر حسب المخطط، والأدلة على ذلك كثيرة.

يدرك النظام، وقد لا يدرك، ولكن هناك مستشارين من روسيا وإيران يجعلونه يعي عنوة أن الولايات المتحدة الأمريكية في حربها على تنظيم الدولة غير مستعدة لخسارة أي جندي، لا سيما في صحراء لا يرحم طقسها، وهي ستكتفي بأن تحاربه من الجو، وعليه "أي النظام" أن يدفع قواته لدخول أي نقطة يخليها رجال البغدادي.

صراع جغرافيا الصحراء يخوضه النظام ضد الجيش الحر وليس ضد تنظيم "الدولة"، ورجال المعركة هم السوريون حصرا مع بعض الميليشيات الأفغانية والعراقية، وترفض قوات الحرس الثوري الإيراني وميليشيا حزب الله المشاركة فيها، لأن احتمالية الموت مرتفعة، "ليمت عليها السوريون والميليشيات الرخيصة".

هزيمة تنظيم "الدولة" لا شك أنها قادمة، ليس لأنه ضعيف يمكن هزيمته ببساطة، بل لأنه جزء من المشهد المعدّ سلفا في مراكز القرار، وما يتبع ذلك هو عملية تقاسم لدولته، والنظام مزوّدا بالمشورة الإيرانية الروسية يسعى لأن يحصل على حصة من الدولة الزائلة.

قد تسمح عواصم القرار بمساحات إضافية من الرمال الجافة تزيد مساحة انتشار النظام، أما تلك الرمال التي يرطّبها النفط والغاز فلا شك أن لا نصيب له منها، ولن تختلف أمريكا "الترامبية" مع الدب الروسي على تقاسمها عبر الحلفاء على الأرض أو تبادل الامتيازات في مناطق سورية أخرى.

غير ذلك، التصعيد اللفظي الأمريكي ضد إيران وميليشياتها لم يرتقِ إلى تحجيمها، وقد لا تأبه أمريكا لمشروع فتح "كوريدور" يصل إلى البحر المتوسط وجنوب لبنان، وتبقى إسرائيل هي المعنية الأكبر في هذا التفصيل الذي يبدو هامشيا في معركة النفط والغاز.

الأخضر والأحمر والأصفر، الألوان التي يرفعها المستأجَرون على الأرض لتنفيذ مخططات الكبار مدعومين بطيرانهم، ستجعل اللون الأسود يختفي، ورغم أن الكل يقوم بالدور المرسوم له، إلا أن دماء غزيرة تسيل، وستسيل، حتى اكتمال آخر مشاهد المسرحية، وغالبيتها من أجساد سورية مرغمة على ذلك حتى لا تستمر إلى مالا نهاية، أقلها في هذه الرقعة، فيما تبقى الرقعات الأخرى من سورية بانتظار رسم مشاهد تتناسب مع معطياتها.

*من كتاب "زمان الوصل"
(150)    هل أعجبتك المقالة (137)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي