أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

رسالة من سوري ضالع في مؤامرة "بندر" وشارك بصناعة مجسمات في قطر*

أرشيف

لست من المعجبين بأداء حكومة قطر أو السعودية وكل دول الخليج سياسيا.. لكن، خلال الأيام القليلة الماضية.. كان عليّ أن أختار بين صديقين، سعودي وقطري، كلاهما يرتدي نفس العباءة، ويملك ذات اللسان، وربما ينحدران من ذات القبيلة وأنا لا أحب لغة القبائل إلا في الشعر.

طبيعتنا نحن البشر أن نتعاطف مع الشعوب، وغالباً يتلبسنا شعور الأم في القضايا التي تخص تلك الشعوب، فنحن مع المريض حتى يشفى، والمستضعف حتى يقوى، والغائب حتى يعود.

في قضية قطر وما تتعرض له من ضغط بدأ خليجيا، لم أعرف كيف يمكن أن أرحب بقرارات تسد الماء والهواء على الشعب القطري، وكان عليّ أن أفاضل في لغتي مع صديقي السعودي، لكنني لم أستطع المجاملة، فأنا هنا لست كاتباً بل عربيٌ تغلبه الفطرة، ولا تنقصه الفطنة، وتقتله المروءة والأخيرة هي شرف لا أدعية بل أتمناه.

بعد نحو عام من اندلاع الثورة السورية وتحديدا يوم الثلاثاء 7 شباط فبراير/2012، كنت في ضيافة صديق يعمل سفيراً لدولة خليجية ليست قطر ولا السعودية، كان الحوار ساخناً حول ما يجري في سوريا وموقف دول الخليج في تلك الفترة، قلت للرجل أما آن لكم أن تقطعوا مع هذا النظام، فأجابني ضاحكاً: لماذا أنت مصر على أن لا نراك ثانية.. استمر الحديث بيننا حول إيران التي تستولي على ثغر شبه الجزيرة الشمالي، وكان رأيي أنها لن تقف حتى تدمّر البلاد وتشرّد العباد، ولم يكن يشاطرني الرؤية ربما تحفّظاً أو لأن دول الخليج تفتقر لاستراتيجية قابلة للتطبيق، وتعتمد على دراسات غربية دأبت الحفاظَ على سياسة الاحتواء المزدوج، فلا إيران تنتصر ولا خصومها العرب على أن تستمر المعركة حتى آخر برميل نفط. 

تركته وخلال دقائق فتحت "الراديو" داخل سيارتي لأسمع خبر بيان لدول الخليج بسحب سفرائها من دمشق، وكنت سعيداً بالخبر وحزينا في ذات الوقت لأنهم احتاجوا عاماً حتى يتخذوا مثل هذا القرار... وزاد حزني اليوم بقرار مقاطعة قطر في إجراء سريع ومفاجئ لأن ما يحدث يدفع للاعتقاد بأن نظام الأسد لا يقلق عرب الخليج قياساً لما قاموا حيال قطر.

كانت دول الخليج سنداً اقتصاديا مهماً للشعب السوري المنهك خلال سنوات الحرب، لكن هذا السند كان "فزعة عرب"، كان الأميريكي والبريطاني والفرنسي والإسرائيلي يخططون، وكنا نحن ننفعل ونأخذ حصتنا من قناتي "الجزيرة" و"العربية"، ولم يكن إخوتنا سنداً اجتماعياً وإلا لما كنت اليوم مثل ملايين السوريين مرميّاً في "آخر ما عمر الله".

ضاعت سوريا، وتحارب العرب فيها، بعضهم قدّم القنابل والصواريخ لنظام الأسد، والبعض الآخر قدمها للثوار، وآخرون لفصائل إسلامية، فيما كانت إيران تعمل بإتقان على مشروع الإرهاب السنّي، وساعدها متموّلون عرب ورجال دين واستخبارات أجانب، وانتهينا إلى ما نحن فيه اليوم.

أنا السوري المتهم بتناول حبوب الهلوسة القطرية المدموغة بختم قناة "الجزيرة" والمتورط في الترويج لمجسماتها، والمتخم بـ"صندويشات" بندر بن سلطان التي قدمها للناس ليثوروا على النظام، أنا السوري لم أعد أعرف على أي يدٍ يمكن أن أنام، ولم أعد أثق بأن من انتظر عاماً ليسحب سفراءه لدى نظام الأسد لم يكلفه الأمر سوى أيام كي يسحب السفراء ويغلق الجوّ والبرّ والبحر على القطريين ويطالبهم بالخروج من أرضه، بل وأكثر من ذلك أن يعتبر أن التعاطف مع شعب قطر في تغريدة على "تويتر" هو جريمة تستدعي السجن والغرامة.

لا أبرر لحكومة قطر، وليس لدي ما أدينها به كشخص، لكنني غير قادر على استيعاب هذا الكمّ من القرارات، وما يتسرب عن اشتراطات لإعادة العلاقات إلى طبيعتها، أنا أبحث في عيون القطريين والسعوديين والكويتيين .. في ملامحهم .. في قلوبهم وأرواحهم عن مبرر مقنع لما يحصل.

أعرف أنها سحابة صيف ستمرّ، ولا تهمني مآلات الأسر الحاكمة في أي عاصمة، ما يهمّني هو أن أحصل على إجابة على بعض التساؤلات.. إذا كان تجّار إيران يسيطرون على اقتصاد "جبل علي" في الإمارات، والعمانيون يملكون أفضل العلاقات مع إيران، والكويت تستقبل في عزّ الأزمة رئيس إيران.. وإذا كان ثلاثة أرباع العرب يتحدثون مع إسرائيل من فوق وتحت الطاولة، وإذا كان "الإخوان المسلمون" يعيشون في لندن وبرلين واسطنبول وتونس والرباط ويشاركون في حكومات ويعتلون المنابر ويصدرون صحفاً.. إذا كان كل ذلك موجوداً فأي نوع من المؤامرات الذي تنفرد به قطر.

لقد ترك العرب إيران وانشغلوا بقطر .. لا بأس لكن "إذا خاصمت لا تقبح"، أريد أنا السوري أن أختار صديقيّ السعودي والقطري، لا تحمّلوا الناس أكثر ممّا ينبغي، لن تنتصروا إن تقاويتم على قطر.. لا أرى أفقاً لما تقومون به أيها الخليجيون.. ومصر ليست اليوم في أحسن حالاتها.

لا قائمة لكم إن لم تؤمنوا أن مصر تحتاج لمن ينصح ويدفع إلى الحوار بين أهلها، وإن اعتبرتم تغريدات "ترامب" نصراً استراتيجياً فأنتم واهمون، فلا عهود لدولة تتاجر في الوهم وتقبض بالدولار، ولا بأس على قطر إن تحاملت على نفسها وخرجت من السياسة إلى البناء والاقتصاد.

كدت أشك أن قطر مسؤولة عن اغتيال كيندي والملك فيصل والسادات وآل غاندي، ومتورطة في "ووتر غيت" وتفجيرات "بوينس آيريس" ... إذا كان لديكم دليل فقدموه لنا لكي نعرف أنها عدو إما للعرب أو لإسرائيل أو لإيران أو للغرب أو لكل أولئك مجتمعين.

شعب قطر .. لا بأس عليك .. ولا بأس على شعب السعودية والكويت وكل الشعوب العربية .. "وخير ما يبقى وداد دائم ... ".

*علي عيد - من كتاب "زمان الوصل"
(191)    هل أعجبتك المقالة (183)

مصطفى حافظ

2017-06-08

ألا لعنة الله على الظالمين.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي