تحت عنوان "مداعبة سوريا" ناقشت صحيفة فايننشال تايمز في افتتاحيتها خطوات الغرب الودية الأخيرة تجاه دمشق, مرحبة بالتواصل مع سوريا وداعية إلى أن يكون ذلك عبر دبلوماسية قوية تهدف إلى تحقيق إستراتيجية منسجمة, مما يستدعي "الابتعاد عن البناء على الأوهام".
في البداية قالت الصحيفة "في الأول كانت فرنسا والآن بريطانيا. التماس ود سوريا يأخذ مزيدا من الزخم, وطبعا ليس هناك ضير في التواصل, كما علمتنا عبر سنوات الرئيس الأميركي جورج بوش, غير أن الخطوة المثالية في هذا الشأن هي أن تسخر الدبلوماسية القوية لتحقيق إستراتيجية منسجمة, وهذا هو بالضبط ما ينقص خطوات التودد الحالية للرئيس السوري بشار الأسد ونظامه.
فالأسد -حسب الصحيفة- مدين للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بإعادته لفضاء الطبقة السياسية المهذبة بعد أن كان سلفه جاك شيراك يعتبره "شخصا غير مرغوب فيه" منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري عام 2005, في عملية ربطها محققو الأمم المتحدة بدمشق.
كما أن سوريا موجودة ضمن القائمة السوداء للولايات المتحدة, ليس لأنها تدعم حزب الله وحماس فقط, بل لأن النظام السوري كذلك سهل دخول المقاتلين إلى العراق.
وقد بدأت الدول الغربية بمراجعة موقفها من سوريا على أثر مباركة الأسد لاتفاق المصالحة اللبنانية بالدوحة الذي جعل حدا للمأزق اللبناني الذي تتهم دمشق بالمساعدة في خلقه بلبنان.
وأرجعت الصحيفة سبب قبول هذا الاتفاق لكونه يمنح حلفاءها بزعامة حزب الله حق نقض قرارات الحكومة اللبنانية المنتخبة.
وهدف سوريا من ذلك -حسب الصحيفة- إعاقة المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري إن لم تتمكن من وقفها كلية.
"ورغم أن محاولة سوريا إعادة فتح باب مباحثات السلام مع إسرائيل عبر البوابة التركية مسألة إستراتيجية مهمة للغاية بالنسبة للمنطقة, فإن ذلك لم يكن بالنسبة لنظام الأسد سوى رخصة خروج من السجن دون مقابل، وسوريا لم تغير في الواقع سلوكها الجهوي" على حد تعبير الصحيفة.
وتنحو الصحيفة باللوم بذلك في الأساس إلى دعوة ساركوزي الرئيس السوري إلى قمة بباريس وتخصيص مقعد في الصف الأمامي في احتفالات اليوم الوطني في فرنسا للأسد، بينما لم يخصص للرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي خاطر من أجل تحقيق السلام مع إسرائيل سوى مقعد في الخلف إلى جانب وفد صومالي.
واعتبرت فايننشال تايمز أن مثل هذا التصرف يبعث برسالة كارثية إلى الشرق الأوسط, مذكرة كذلك بوصف وزير الخارجية البريطاني ديفد ميليباند -أثناء زيارته الأخيرة لدمشق- سوريا بأنها "قوة استقرار في المنطقة" ونبهت الصحيفة إلى أن دمشق تستغل ببهجة هذه المحاولات اليائسة لإبعادها عن التحالف مع إيران.
واستطردت الصحيفة تقول إن مثل هذا التكتيك الغربي هو مجرد تملص من المسؤولية، إذ يتحاشى ضرورة إيجاد إستراتيجية حقيقية للتعامل مع إيران.
وأضافت أن طهران -التي استأسدت بعدما أنهت الولايات المتحدة حدا للسيطرة السنية في العراق- تمسك الآن أوراقا قوية في المنطقة بأشملها "فها هي الآن تلعب إحدى تلك الأوراق بتشجيعها لحلفائها ببغداد على المصادقة على الاتفاقية الأمنية الجديد بشأن القوات الأميركية بالعراق".
وأضافت أن ذلك يبدو ردا على انتخاب أوباما الذي دعا في حملته الانتخابية إلى مباحثات مع إيران, فهناك حاجة لجعل إيران تهتم بالاستقرار في المنطقة ولا حاجة في مداعبة مع سوريا مبنية على أوهام
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية