أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تقاليد رمضانية في ذاكرة كاتب سوري

الصوفي - ارشيف

تتوهج الذاكرة بصور العادات والتقاليد التي ارتبطت بشهر رمضان المبارك في الماضي والتي طغى على الكثير منها اليوم مظاهر الحداثة والتهجين، ولم يعد في شباك الذاكرة منها إلا النزر اليسير.

يروى الباحث والمهتم بالتراث "مصطفى الصوفي" المدير السابق لمركز حمص الثقافي جوانب من هذه التقاليد كما عايشها في طفولته وصباه، حيث تبدأ بانتظار صوت مدفع إثبات هلال شهر رمضان المبارك بلهفة وشوق، وما إن ينطلق المدفع في سماء المدينة، حتى تعمّ الفرحة والبهجة وتبدأ احتفالات الكبار بشراء لوازم السحور والفطور وما لذ وطاب، أما الأطفال فيرقصون ويبتهجون ويغنّون في الشوارع، وفي النهاية يستيقظ الجميع على صوت طبلة المسحراتي وهو ينادي بصوته الرخيم، ويقول: يانايم وحد الدايم (الدائم).

ويسرد الصوفي لـ"زمان الوصل" جانبا من تعلق الأطفال بشهر رمضان الذين عادة ما يكونون في مقدمة المتسحرين حتى من لم يتجاوز منهم السادسة من عمره وقد يغضب إذا لم يوقظه أهله على السحور ويعدهم بأنه سيتابع صيامه حتى درجات العصافير إلى ضحى اليوم.


وبعض الأطفال -حسب الصوفي- يقرر أن يصوم درجات الحمام حتى وقت الظهر والقليل منهم سيصومون درجات الغزال حتى وقت العصر، ومن يصمم أن يتابع صومه حتى أذان المغرب كالكبار سيحتاج إلى عناية خاصة ومركزة من تأثير الجوع والعطش. 

ويشير محدثنا إلى أن "أطرف ما في صوم الأطفال عندما كانوا يجتمعون خلال النهار في الشارع فيسألون بعضهم من منهم صائم؟ ومن مفطر؟ وحتى يكتشفون المدعي من الصادق يطلبون من الطفل أن يمدّ لسانه، فإن كان لونه أحمر فهو صائم، وإن كان لونه أبيض فهو فاطر ويغنّون له:

"يا مفطـر يا بم، يا دلاّق الـدم..دمّك دم الخنازير، علّقوك بالجنازير"، (البم: من البمبة أي القنبلة. دلاّق: أي يقيء الدم من فمه). 

ويغضب الطفل ويذهب إلى أمه باكياً شاكياً، فتطيّب خاطره، وتعده أن توقظه على السحور ليصوم في اليوم التالي. 

ومن مفارقات صيام الأطفال في رمضان -كما يقول الصوفي- ما يُسمى في عرفهم بـ"سرقة الصيام" من بعضهم البعض فعندما يمد الطفل لسانه، فيمد زميله إصبعه إلى لسانه ويمررها عليه، ثم يعيد إصبعه إلى لسانه فيلحسها، فينتقل صيام زميله إليه ويسرقه منه. 

وفي هذه الأجواء العفوية تحدث –كما يقول- نزاعات ومشاحنات بين الأطفال لسرقة صيامهم وينتهي الأمر بالصلح وإعادة الصوم المسروق لصاحبه بعكس العملية بأن يمس لسانه أولاً ثم يمس لسان زميله فيعيد له صيامه.

و"مصطفى الصوفي" باحث في التراث الشعبي من مواليد حي "بابا عمر" في حمص عام 1952، له العديد من الكتب المطبوعة ومنها "الحكايات الشعبية الحمصية -وزارة الثقافة 2007، التراث الشعبي الحمصي -أدوات تراثية ومكنيات قولية وأمثال شعبية -وزارة الثقافة 2008، والطلاسم والأرصاد جذور وأساطير- دار الحوار ـ اللاذقية- 2011".

فارس الرفاعي -زمان الوصل
(192)    هل أعجبتك المقالة (247)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي