لا يمكن لأي عاقل أو لديه ذرة عقل واحدة أن يرى فيمن يمدح قاتل كبهجت سليمان ووصفه بالوطني والصامد إعلامياً أو معارضاً، فما بالك بقطيع الصحفيين الذين يضعون له اللايكات ويعلقون له بالإيجاب وصاحب النهج الوطني، ويرون فيه أحد المدافعين عن سورية.
هؤلاء وبدون ذكر أسماء هم إعلاميون ومعارضون يريدون في لحظة غضب أن يحاربوا الفساد والغلاء وعدم الرقابة على أسواق الخضار والفواكه، ويرون الفساد العظيم في حاجز أمني أو رئيس بلدية ووزير لا ظهر له في أبعد حد.
هؤلاء هم معارضة الداخل المتواطئة علناً مع النظام، وترى فيه العلماني المخلص وأهون بلاء من الإسلاميين الذين يبغون استتابة المجتمع وتحجيبه (كما يرددون)، وهم والنظام طوائف مرتعشة من الطائفة الكبرى التي تقطع الرؤوس والقلوب، ولكن بمقابل وضاعة هكذا معارضة لا يقدم الطرف السياسي الآخر المعارض نموذجاً يخرج السوريين من سطوة وإجرام النظام، ويقنع العالم بمطالب السوريين البسيطة التي لا تتعدى الخروج إلى الحرية والانعتاق.
قد تبدو الفاجعة كبيرة لمجرد المقارنة بين الطرفين، ولكن طول الأزمة والعجز لدى المعارضة الوطنية التي يرى فيها الشعب خلاصه أوصل الكثيرين منه إلى النظر بعين واحدة إلى كلا الكفتين على اعتبار أنهما استثمرا في آلامه، و تبنوا أجندات خارجية مختلفة في وقت كان لا بد من تبني مصلحة الوطن وأبنائه أولاً.
البلاء في المعارضة الوطنية (الائتلاف ومؤسساته) وأشباهه أنه غير جلده أكثر من مرة، ومارس ديمقراطية زائفة لا تتعدى تغيير وجوه رؤسائه، وفي كل مرة يركبه الممول والقابض على الملف السوري من عربان وسواهم، وانقسم على ذاته تارة مع الروس الداعمين للأسد وتارة مع الأمريكان الذين يمدون رأسهم في مفاصل صغيرة ثم يديرون ظهرهم لكل وعودهم، وهذا ما كان على الأقل في ولاءات اثنين من رؤسائه السابقين يرون الآن في الروس والإيرانيين مخلصاً.
إعلام هذه المعارضة كان وليد لحظة قاسية لوجوه لا خبرة لها، وأغلبها خرج من قفطان النظام ومؤسساته، وأما البقية القلة ممن تصدروا المشهد هم إما ناشطون غرقوا بمال الدعم وأهدروه ثم هربوا، وانتهازيون ركبوا موجة أول الثورة ويرون أنفسهم اليوم أوصياء على الخطاب، وقدموا أنموذجاً سخيفاً أضر بالثورة وأبنائها، وكسر ظهرها، وأنتجوا إعلامياً خارج المهنة والتاريخ.
سوريا التي خرج شعبها منذ سبع سنوات على الطغيان تشوهت جغرافياً وبشرياً، وصارت دولة فاشلة بامتياز، وعلى أرضها يتصارع العالم بكل أطيافه، العرب في إبقائها مكاناً وحيداً للصراع يحول دون انتقال القتال إليها، والغرب لا يرى فيها إلا سوقاً للسلاح والمناورات السياسية، واستمرار أزمتها يؤجل أزمات العالم المحتبسة ويمنع انفجارها.
في المدى القريب لا آفاق للحل بل لتصعيد الصراع إلى ذروته، وهذا ما سيأخذ السوريين إلى هجرات جديدة ربما تضع النظام في موقف لم يكن ليحلم به، والمعارضة في نفق مظلم يجعلها تقبل بأقل النور، ولكنها مرحلة أخرى من الصراع تتطلب من المعارضة وحدها أن تدرك أن مصير شعب بأكمله يعتمد على قرارات وطنية حاسمة ومصيرية تحتاج إلى شجاعة استثنائية في وقت لا مفر به من السير على حد السكين.
*ناصر علي - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية