أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ترامب.. متى الفعل؟*

ترامب

أشد المتشائمين تفاءل بأن يحدث النشاط الأمريكي المتنامي على الساحة السورية خرقا في محادثات جنيف الأخيرة، خرقا يسحب البساط من تحت الأستانة، ويحجّم الدور الروسي ويمهد لبتر اليد الإيرانية الطائفية، ويرسم بداية الطريق لإسقاط بشار الأسد بالتزامن مع محاربة الإرهاب.

جنيف لم يكسر رتابة "الجنيفات" السابقة، ولم يأت بجديد، وفي أحسن الأحوال يمكن قراءة هذا اللاتطور في جنيف بأنه رضى ضمني عن التحرك الروسي العسكري عبر الأستانة باتجاه مناطق خفض النفوذ الأربع، وتنازل عن الدور الأممي المتمثل بمؤتمرات جنيف.

ولا يعني التدخل العسكري الأمريكي شمالا وجنوبا سوى السعي للسيطرة على مناطق معينة تحددها غزارة النفط واندفاع الغاز، ولا تبدو محاربة الإرهاب التي تدّعيها واشنطن ولا تحجيم روسيا أو إيران في سوريا سوى جعجعة إعلامية موجهة للداخل الأمريكي بالدرجة الأولى، دون تحرك فاعل باتجاه أي منها على الأرض.

أربعة شهور من عمر إدارة ترامب، وتبقى السياسة الأمريكية امتدادا لما رسمته الإدارة السابقة للرخوي أوباما، رغم الاختلاف الجذري في الأجندة الإعلامية التي تغرد منفردة عن نسقي النشاط السياسي والعسكري.

أنصع الأدلة على الانفصال بين تصريحات الإدارة الأمريكية وأفعالها هو صمتها الصاخب عن التحرك الروسي الذي تحول أفعالا على الأرض باتجاه رسم حدود مناطق خفض التوتر الأربع ووضع الحواجز بين جغرافيا النظام والمعارضة.

لم يكن مستبعدا صمت أمريكا على روسيا لأسباب عديدة، لكن أن يصل هذا الموقف الأمريكي إلى الفرجة على إيران وميليشياتها والنظام السوري وهي تشترك في ضمانة الاتفاق دون ردة فعل وهي التي صرخت بأعلى صوتها مهددة الطرفين بالعقوبة على ما ارتكباه بحق السوريين، هذا ما يثير الاستغراب.
كل هذا الوقت الذي مضى من عمر إدارة ترامب لم يشهد تقديم ورقة سياسية تؤطر رؤيتها للحل في سورية أو ملامح مواجهتها للعنجهية الروسية والتفلّت الإيراني.

ويرى متابعون أن الإدارة الأمريكية الجديدة لا تمتلك رؤية سياسية واضحة للحالة السورية تجسد التصريحات المتصاعدة من مختلف مستويات المسؤولية في هذه الإدارة، وأن الخطوات الميدانية كانت إدارة أوباما قد أسست لها.

وربما يجب الانتظار فترة إضافية (غير محددة) لترجمة ما تم الاتفاق عليه، (وغالبيته سرّيّ) بلقاءات ترامب في السعودية وإسرائيل، وإذا ما عطفت إشارات الرياض وتل أبيب على تصريح وزير الإسكان الإسرائيلي بأن تصفية بشار باتت ضرورية بعد كل ما ارتكب من جرائم فإن القرار النهائي قد يكون قيد التدوين بانتظار تنسيقه مع الروس.

وحتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود تسابق روسيا الزمن لتحويل مخرجات الأستانة واقعا على الأرض السورية، لا يستطيع ترامب إغفاله عندما يتخذ القرار الحاسم، وتتوسع إيران بواسطة ميليشياتها في البادية السورية في محاولة لضمان طريق برّي إلى الضاحية الجنوبية والبحر المتوسط عبر دمشق. 

يبدو أن الحرب في سورية تحطّ أوزارها على المشهد الذي نراه اليوم، غير أن أطرافا داخلية وإقليمية لم ترض بما آلت إليه الأمور، وتتحرك في الميدان بصمت حينا وتصريح أحيانا لتغيير الخطوط التي رسمتها القوى الأكبر، ولكن الوقت المتاح لها ليس طويلا، وإن كان لديها ما يغير قواعد اللعبة عليها الإسراع به قبل فوات هذا المتاح.

*عبد السلام حاج بكري - من كتاب "زمان الوصل"
(117)    هل أعجبتك المقالة (115)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي