أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

المسّ بهيبة الدولة مجدداً .. بعد خراب مالطة الصحفيون في قبضة وزير عدل الأسد*

أرشيف

لا يعيبنا أن ننتصر للصحفيين الذين مازالوا يعيشون في سوريا، وتحديدا ضمن مناطق سيطرة نظام الأسد، وأنا أعرف أن بينهم كثيرين قبل أن يكونوا أصدقاء هم زملاء المهنة ومتاعبها، ولا أخص في جميع الحالات الصحفيين الذين حملوا العصي لضرب الناس في ساحات التظاهر وأمام أبواب المساجد، أو الذين التقطوا صور السلفي مع الضحايا أو من شرّعوا القتل على الشاشات وخلف المايكات أو فبركوا أخبارا مزوّرة شيطنت الناس وأخرجتهم من أرضهم.

أعرف أن النظام يبحث اليوم عن ضحايا حتى ولو كانوا وزراء لتلميع صورته، إلا أنه لا يهتمّ لحرية الصحافة ولا "من يحزنون" والشواهد كثيرة.

مناسبة الحديث هي خطاب وزير الإعلام هشام الشعار إلى رئيس حكومته خالد خميس، والذي يطلب فيه من الأخير بصيغة رجاء خبيث بأن يتم التعميم على الوزارات لموافاة وزارة العدل بالمواضيع الصحفية التي تتناول الحكومة و"تساهم في إضعاف هيبة الدولة والانتماء الوطني لدى المواطنين"، وهو طلب يعيدنا إلى النقطة صفر التي تم على أساسها اعتقال مئات الآلاف من السوريين بذات التهمة، وليس غريباً أن يعتبر نظام الأسد انتقاد ضعف أداء الوزراء وغلاء الأسعار والأدوية والمحروقات مساساً بهيبة الدولة، تلك الهيبة التي داست على سوريا وعلى السوريين وأوصلتهم إلى ما هم فيه.

نظام الأسد الذي استقبل مؤخراً جواناثان سباير وتركه يسرح ويمرح بين وزراء ذات الحكومة المعنية بهيبة الدولة، هو نفسه النظام الذي قتل ضبّاطه مصعب العودة الله رميا بالرصاص داخل منزله عام 2012، وهو نفسه أيضا المسؤول عن مقتل نحو 300 صحفي وناشط ومصور وناقل خدمات إعلامية بينهم أجانب وأوروبيون، هو نفسه صاحب مسرحية حمص التي ذهبت ضحيتها الصحفية الأمريكية ماري كولفن والصحفيان الفرنسيان جيل جاكيه وريمي أوشليك عام 2012.

عام 2010 ساقت الظروف الياس مراد رئيس اتحاد الصحفيين التابع لحزب البعث للقاء مع الصحفيين في وكالة سانا، حيث كنت أعمل، داخلت وقتها بسؤال لذلك الرئيس عن سبب صمت الاتحاد عن إخفاء إحدى أجهزة الاستخبارات لزميل صحفي (موجود الآن في دمشق) دون أن يكون لدى الاتحاد ولو بيان شجب ومطالبة بإطلاق سراحه وضمان سلامته وحريته، أجابني بكل ما يملكه من انتماء لهيبة الدولة بأن الاتحاد لا يعرف ما اقترفه ذلك الصحفي حتى يصدر أي بيان، قلت: هل أدنتموه، فأجاب: وهل شققت أنت عن صدره لتعلم ما فيه، وكان جوابي: هل شققتم أنتم؟.

ربما يقرأني ذلك الزميل، وهو اليوم على رأس عمله في صحيفة يملكها رامي مخلوف، وأريد أن أقول بهذا إنّ سوريا لم تكن على ما هي عليه اليوم لولا صلف وغطرسة نظام الأسد وتغوّله داخل الحياة العامة، وصولاً إلى ما حصل بعد آذار 2011، لكنّ، ولسخرية القدر، تمكن الطبيب الأسد ومعاونه من صناعة ما يضمن لهم معركة طويلة، وتركوا البلاد نهباً للإرهابيين وحملة الرايات السود الذين لم يقصروا أيضا حتى وصلت حصتهم من دم الإعلاميين نحو 100 ضحية.

لا أعرف ما الذي يريده من الصحفيين من يستحكمون بحياة الناس في سوريا، وأي صحافة أصلاً يمكنها أن تعيش في مثل هذه البيئة دون مخاطر، بلاد يصول ويجول فيها ضابط مخابرات إيراني من صنف حسين مرتضى، ويعاقب فيها صحفيون اكتفوا بالدفاع عن ما تبقى من فتات العيش.

لا أملك دعوة زملائنا الصحفيين الذين لم تتلوث أقلامهم إلى ثورة إعلامية فهذا مستحيل، ولا أغريهم بالخروج إلى عالم آخر لأن الكلمة الحرة لا ضمانات لها اليوم، وكل مساحة الحرية التي يمارسها من هم مثلي من الصحفيين لم تؤثر في السياسات، ولم تغير مجرى الأحداث وإن أسست لخطاب مختلف يتناول جرائم الأسد وبقية الأطراف مهما كان انتماؤهم.. أعرف أن الساحة اليوم هي للمسترزقين بدم السوريين، وجميعنا يعرف أن خلف كل "هتلر" هناك "غوبلز" و"غيستابو"... ومحاكم أيضاً مثل "نورنمبرغ".

*علي عيد - من كتاب "زمان الوصل"
(178)    هل أعجبتك المقالة (185)

ســـــــاميه

2017-05-27

عندما استولى حزب البعث على السلطة قبل نصف قرن عبر انقلاب عسكري، كان أول قرار اتخذه مجلس قيادة الثورة إعلان حال الطوارئ وما يترتب عليها، فحلّ الأحزاب إلا حزبه، وأغلق الصحف إلا صحيفته، ومنع التجمعات إلا التي يسمح بها مجلس قيادة الثورة لتأييد الحزب الحاكم. قبل أربعة أعوام، رفع النظام حال الطوارئ تعبيراً عن “الانفتاح الديموقراطي” واستبدلها بقانون “مكافحة الإرهاب”. إذا كان المواطن في ظل حال الطوارئ يبقى معتقلاً لسنوات من دون محاكمة فإنه في ظل القانون الجديد يحال على محكمة ميدانية ويُعدَم فوراً!.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي