قناة "الآن".. بعض الواقع في خدمة الكذبة القاتلة*

الكاتب: بعض الواقع الذي صنع فيلم "الآن" هو مقدمة الكذبة التي ستقود إلى المقتلة الكبرى

لا أحد يدافع عن "القاعدة" وسلوكها الفظ الدموي الخارج عن منطق إسلام السوريين على اختلاف مشاربهم، ولا أحد من السوريين يرى في (النصرة) صورة الحاكم لمدينته البسيطة المدنّية المعشقة بإسلام سوري وسطي صافٍ لا غلوّ فيه ولا تطرفا.

لا أحد منا ينكر أن (النصرة) استطاعت أن تكون بديلاً عن فصائل معتدلة في مناطق سورية كثيرة بسبب تفرق الأخيرة وارتهانها لأجندات الداعمين وأوامرهم، وقدمت هي أنموذجاً للبأس العسكري أمام بطش وإجرام جيش الأسد وميليشياته الطائفية، وهذا ما عزّز من حضورها بين جمهور كبير من اليائسين من انتصار خذله القريب قبل البعيد، واعتقدوا بأن منقذهم هو المحسيني والجولاني ثم لم يأخذوا وقتاً طويلاً ليكتشفوا طموحات الرايات السوداء البغيضة.

هذا إذا ابتعدنا عن الجدل حول فك ارتباط (النصرة) عن تنظيم "القاعدة" الذي ساهمت مع تنظيم "الدولة" بتشويه مسار الثورة السورية، لتصبح تحت اسم "فتح الشام" قبل أن تشكل عمودا فقريا لـ"هيئة تحرير الشام".

النظام والروس والإيرانيون تعمدوا وبخبث تحويل إدلب إلى ثقب أسود إعلاميا وعلى الأرض، وأرادوا لها أن تكون نقطة تجمع من بقي من مقاتلين أبوا هدن النظام وتسوياته، وهذا بانتظار أن تكون المدينة وريفها مقتلة (الإرهاب) الذي حرصوا أن يجنّدوا لحربه مجلس الأمن والدول الكبرى، وإعادة سطوة النظام على سورية من جديد بعد إكمال مذبحة المعارضة.

إدلب ليست بالتأكيد على قلب واحد مع (النصرة)، وهناك فصائل ثورية متعددة ما زالت تؤمن بالجيش الحر سنداً وحيداً فقط، وما زال الحراك الشعبي في "معرة النعمان" وسواها يرفع أعلام الثورة التي حوربت ومزقت، ولكنها لم تزل راية السوريين الأحرار، ودفع من أجلها الكثيرون عسف (النصرة) وسواها، وأما الغلاة فلا أحد ينكر وجودهم وغباءهم ومحاولتهم أخذ المدينة واختطافها إلى راية قاتلة لا تتوافق مع هوى الكثيرين من أهالي المدينة ولاجئيها والمرحّلين إليها قسراً.

في إدلب اليوم أهالي داريا ومضايا والمعضمية وريف حمص وشرقي حلب... إلخ، ومقاتلين حملوا البنادق فقط لسنوات للذود عن مدنهم وقهروا جيش الأسد وحلفائه، وغادروا مدنهم فقط بسبب خذلان العالم المتحضّر والأشقاء النائمين، وهؤلاء لم يحملوا رايات (النصرة) وكانوا يدخنون ويضحكون ويحلقون لحاهم وراياتهم خضراء خضراء.

المقدمة الطويلة تلك هي بسبب حمى التأليب المسعورة التي تحضّر لتصوير إدلب مركزاً للقاعدة والإرهابيين الإسلاميين الذين سيحرقون سورية المفيدة العلمانية بينما يمارس الأسد وحلفاؤه تحت رايات محاربة الإرهاب شتى ألوان القتل والتهجير والتكفير والإقصاء والذبح الطائفي.

ما فعلته قناة "الآن" فيما سمته فيلمها الوثائقي ليس سوى تحريض على القتل سواء كان بنية المغامرة الإعلامية أو الحماقة أو خدمة هدف بات واضحاً يعدّ له فهو خارج المهنية وتوخي عدم التحريض للقتل، وإدلب بكل ما فيها من سلبيات لم ينكرها أحد هي من تضم اليوم أغلب الذين خرجوا على سلطة الأسد، وهدفهم الحرية وليس تشكيل إمارات سلفية جهادية، والصور الركيكة التي صنعت منها فيلمها والمسروقة بكاميرا مويايل تدلّل على رغبة في التحريض على المدينة وأهلها وإعلامييها، ففي إدلب يعمل أغلب مراسلي الوكالات والقنوات والصحف، وهؤلاء نقلوا مظاهرات الأدالبة وفقرهم والحصار الذي يعانونه، وما فعلته الآن هو تحريض على قتلهم.

بعض الواقع الذي صنع فيلم "الآن" هو مقدمة الكذبة التي ستقود إلى المقتلة الكبرى.

*ناصر علي - من كتاب "زمان الوصل"
(166)    هل أعجبتك المقالة (175)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي