أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

منتخب الديكتاتور.. هكذا أفصح الخطيب عن سر عودته، وهكذا جاء رد النظام

فراس ادعى أنه يسعى لإسعاد السوريين، وبعد أسبوع كان النظام يقتلهم بالسارين

• قائد منتخب النظام مندهش من سر رفض الجميع لاستقبالهم

• النظام بخل على المنتخب الذي يلمعه بـ3500 دولار

• رئيس بعثة المنتخب.. نحن نلعب لرئيسنا الذي يمثلنا ونمثله


في أمسية من شهر أيلول/سبتمبر، ينتشر لاعبو منتخب النظام بقمصانهم البيضاء، في بهو منتجع "رويال بينتانغ"، في انتظار خوض التدريبات ضمن الجولة الثالثة من تصفيات كأس العالم.. يبدو الفريق مثل ولد منبوذ، ينتقل من حضن إلى آخر، حيث لا يسمح لمنتخب النظام باللعب على أرض سوريا، لأن "فيفا" لا تستطيع ضمان سلامة اللاعبين والمشجعين.


*نلعب "لرئيسنا"
بعد انقضاء الجولة الثانية من التصفيات في سلطنة عمان، لم تتمكن حكومة النظام من العثور على من يستضيف منتخبها في الجولة الثالثة ضمن منطقة الشرق الأوسط بأكملها، حتى تقدمت "ماكاو" وقبل أيام من انطلاق أولى مباريات الجولة الثالثة بعرض الاستضافة، ثم تراجعت عن عرضها، ليجد منتحب النظام نفسه منبوذا كليا، لولا خيار اللحظة الأخيرة المتمثل في مدينة "سيرمبان" (ماليزيا)، وهي مدينة صناعية تبعد عن سوريا أكثر 7500 كم في أقاصي جنوب شرق آسيا، استغرقت رحلة المنتخب إليها 20 ساعة.

يعلق قائد المنتخب "عبد الرزاق الحسين": "سمعنا أننا سنستضاف في قطر، ثم لبنان أو ماكاو... لا أعرف ما حدث بالضبط، لا ينبغي أن تكون هناك كل هذا الحجم من الرفض وعدم القبول بنا".

على جدول المباريات هناك مباراة ضد فريق كوريا الجنوبية، قبل عقد من الزمن لعب المنتخب ضد نفس الفريق واستقطبت المباراة عشرات آلاف المشجعين في سوريا، بينما هنا في "سيرمبان" يتناقش لاعبو المنتخب حول عدد المشجعين المرتقبين، ويعلق أحدهم ساخرا: "نأمل أن يكونوا ثلاثة (مشجعين)!".

وفضلا عن شعورهم بأنهم منبوذون واضطرارهم للعب في مكان ناء للغاية، جاء تقتير النظام على من يساهمون في تلميعه، بحجة قلة الموارد نتيجة الحرب، حيث تدرب المنتخب ضمن ملعب محلي بائس في مواصفاته من أجل توفير دفع رسوم التدرب على أرض ملعب محترم تقدر بنحو 3500 دولار، حتى يتم توفير هذه الرسوم لصالح النظام، ربما ليقتل بها مزيدا من السوريين، الذين يحاجج كل من يلعب في المنتخب أنه يمثلهم ويسعى لإسعادهم.

نتائج المنتخب وحلوله بالمركز الثاني خلف اليابان، جعله أقرب ما يكون إلى التأهل لكأس العالم، وقد احتفى "فيفا" بما حققه المنتخب، ونشر قصصا على موقع الرسمي " FIFA.com" عن الكفاح البطولي للمنتخب في مواجهة كل الصعاب، وقالت إحدى تلك القصص التي نشرها "فيفا" إن ما حققه منتخب النظام هو "معجزة".


ولكن كل تلك القصص التي نشرها "فيفا" تجاهلت تفصيلا واحدا، وهو أن "منتخب سوريا" يمثل حكومة متهمة بارتكاب جرائم حرب ضد شعبها.

لقد تبنى "فيفا" بشكل واضح موقف نظام الأسد الذي يؤكد أن "المنتخب الوطني السوري" محايد سياسيا، حيث يزعم "فادي دباس"، نائب رئيس اتحاد الكرة ورئيس بعثة المنتخب أن الهدف الأساسي للمنتخب في مساعيه للوصل إلى كأس العالم هو "جمع السوريين معا.. إثبات أن سوريا بخير، وأن سوريا تنبض".

ولا يوارب "دباس" أبدا في موقفه من الأسد، مقرا بأن المنتخب يلعب "لرئيسنا"، ومعقبا: "أي سوري داخل سوريا يمثل الرئيس بشار الأسد، وفخامة الرئيس الدكتور بشار الأسد يمثلنا. نحن فخورون برئيسنا وفخورون بما حققه، ونود أن نرسل له تحياتنا وشكرنا لما فعله لأجل سوريا، ونحن وراءه وتحت قيادته".

ووفقا لـ"دباس" فإن بشار الأسد يتابع كل مباراة للمنتخب، وهو "يراقب التفاصيل الدقيقة للغاية".

هناك دلائل ومؤشرات عدة، على أن "المنتخب السوري" لا يمثل سوريا، بقدر ما يمثل الوجه اللطيف لديكتاتورية شرسة لا ترحم. ففي خريف 2015 في سنغافورة، ظهر مدرب هذا المنتحب ولاعب منه ومتحدث باسمه ضمن مؤتمر صحفي وهم يرتدون قمصانا عليها صورة بشار الأسد.

كان المدرب حينها "فجر إبراهيم"، حيث صرح لـ"ESPN" ممتدحا الأسد: "رئيسنا هو الرجل الأنسب، إنه رجل عظيم جدا جدا.. بدون رئيسنا، سوريا مدمرة".

وردا على سؤال حول مدى ملاءمة استخدام تصفيات كأس العالم للإدلاء ببيانات سياسية، قال "إبراهيم": "كل شيء مرتبط الآن، كل شيء له علاقة بكل شيء"، وكأنه يرفع البطاقة الحمراء في وجه كل من يريدون الفصل بين الرياضة والحرب في سوريا، ليقنعوا الناس أن منتخب النظام هو منتخب الوطن.


*قتلوه وتجاهلوه
في ملعب "توانكو عبد الرحمن" في "سيرمبان" وفي ليلة رطبة وحارة، ومع فتح أبواب الملعب مجانا، لم يحضر بالكاد سوى 5 آلاف شخص في ملعب يتسع لـ45 ألف مقعد، بينهم مجموعة مشجعين سوريون، سرعان ما أفصحوا عن هويتهم عندما رفعوا صورة ضخمة لبشار الأسد على المدرجات، ما لبث الأمن الماليزي أن أجبرهم على إنزالها.

وفيما وصفت "هيومن رايتس ووتش" سعة وتشعب معتقلات الأسد بعبارة "أرخبيل التعذيب"، يقول اللاعب السوري "جابر الكردي" إن النظام اعتقله لمدة 9 أشهر دون محاكمة، وتم نقله بين مراكز الاحتجاز في حماة وحمص ودمشق.

وفي فرع "فلسطين" التابع للمخابرات العسكرية، قام الحراس بضربه بخرطوم مطاطي وصعقوه بالكهرباء عبر أسلاك وصلوها إلى رأسه، كما حبس في زنزانة ضيقة للغاية وباردة، حيث كان السجان يأتي ويرش الماء عليه ثم يمضي، وكان "الكردي" أحيانا يتلقى قطعة صغيرة من الخبز.

"الكردي"، الذي اعتقله النظام عام 2013 في مدينة حماة، وكان لاعبا لفريق الطليعة، يقول إنه ساعد الناس ولم يساهم بأي نشاط عسكري إطلاقا، متسائلا وهو يقلب كفيه: "هل تعتقد أن هذه الأيدي يمكن أن تحمل سلاحا؟".

ويضيف: "أنا لا أحب الدماء أو إراقة الدماء، وعندما رأيت النازحين يصلون إلى حماة وينامون في المتنزهات والشوارع، لم أتمكن من الوقوف والتفرج عليهم".

ومنذ وصوله إلى ألمانيا، خضع "الكردي" للعلاج من آثار الكوابيس المتكررة التي يرى فيها رجال مخابرات النظام وهم يطاردونه.
"باسل حوا" لاعب آخر لم يرفض فقط اللعب للنظام بل والاستمرار في صفوف جيشه القاتل، ولكن محاولة انشقاقه عن جيش النظام فشلت، وتم اعتقاله في ظروف مزرية، قبل أن يطلق سراحه ضمن مرسوم "عفو" صدر في 2014، ليغادر الشاب نحو ألمانيا.
هنا في العاصمة الألمانية برلين كان يمكن أن يكون إلى جانب المتحدثين باسم فريق "سوريا الحرة" لاعب مميز، لكن ذلك مستحيل، فقد قتل النظام نجم فريق الكرامة "جهاد قصاب" تحت التعذيب في معتقل صيدنايا الرهيب، الموصوف بـ"المسلخ البشري" لكثرة ما قضى فيه على يد جلادي النظام، وهم في أقل التقديرات يناهزون 13 ألف ضحية.

في أيلول/ سبتمبر الماضي، بعد أكثر من عامين على اختفائه قسريا، تم الإعلان عن "استشهاد" جهاد قصاب، وكانت المساجد في حمص قد أعلنت خبر وفاته، ثم انتشر الخبر في وسائل التواصل، وتحدثت عنه الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ومواقع إخبارية حول العالم.

"محمد" لاعب سابق في الكرامة وصديق مقرب من "قصاب"، علق قائلا: "لو كان جهاد قصاب يعيش في بلد آخر، لتم تكريمه ومكافأته على تاريخه الطويل من الإنجازات في مجال الرياضة، أما في سوريا، التي يحكمها الأسد، فيتم اعتقاله وتعذيبه".

ومع كل ذلك، يقول "فادي دباس" نائب رئيس اتحاد كرة القدم التابع للنظام، إنه لا يعرف شيئا عن مصير قصاب، بل يزيد بأنه لم يسمع عنه قط: "أنا لا أعرف هذا الاسم على الإطلاق"... لا يعرف اسما تداوله الملايين، وعلى أقل تقدير مئات الآلاف!

لكن الصحافي "الأجنبي" معد الملف ينعش ذاكرة "دباس" (السوري!) ويخبره أن "قصاب" لعب في دوري الدرجة الأولى لأكثر من 10 سنوات، وهنا يرد الرجل الذي يعد بشار الأسد رئيسه ومصدر فخره: "لا أعرف أين ذهب بعد أن ترك الكرامة، ولا أعرف ما حدث، وليس لدي معلومات عن هذا الموضوع".


*يطمح إلى "الكرامة"
في تموز/يوليو 2012، عندما أعلن "فراس الخطيب" أمام الملأ أنه لن يلعب لمنتخب النظام حتى تتوقف آلة قتله، كان مسقط رأس اللاعب (حمص) يشتعل قصفا وحصارا واعتقالا ومذابح، وها هو اليوم (في أحد أيام شباط 2017) يحاول شرح وتبرير تراجعه وعودته للعب وسط منتخب ما زال يتبع لنفس النظام، معلقا: "ما حدث معقد جدا.. لا أستطيع التحدث أكثر عن هذه الأشياء، آسف، آسف، أنا آسف جدا، من الأفضل بالنسبة لي، ولبلدي ولعائلتي، من الأفضل للجميع أن لا أتحدث".

عندما أعلن "الخطيب" مقاطعة منتحب النظام، كان الكثيرون يرون أن بشار سوف يسقط، أما اليوم فيعلق اللاعب الذي قرر العودة إلى اللعب تحت علم النظام: "في ذلك الوقت كانت ثورة جيدة حقا، تريد للبلاد النهوض وأن تصبح أكثر قوة، والناس يريدون العيش بشكل أفضل".

يقر "الخطيب": "قلت إني لن ألعب (للمنتخب) قبل أن يتوقف القتل ..الآن، تسألني لماذا غيرت رأيي، غيرته لمجرد أن القرار يرتبط بكرة القدم، وليس قرار سياسياً، نحن نريد أن نكون سعداء، نريد شيئا يجعلنا سعداء، كل شيء الآن في سوريا يجعلنا تعساء".

وبغض النظر عن كلام "الخطيب"، يبدو أن المهاجم البارز بات تحت سلطة "سيد جديد"، فحين كانت "ESPN" تحاول أخذ موافقته على لقاء معها، جاء مسؤولون من بعثة منتخب النظام وسحبوه نحو المصعد.. "لا سياسة"، يطلب المتحدث باسم المنتخب "بشار محمد"، بعبارة مقتضبة.

ويجاري "الخطيب" النظام وتعليماته، عندما يقول: "فلنتجنب السياسة ونتحدث عن الرياضة، فقط كرة القدم.. قرار عودتي مرتبط بكرة القدم وليس بالسياسة".

ويمضي "الخطيب" في تسويق رؤيته معتبرا أن المنتخب "لكل الناس، لكل سوريا"، وليس فقط للنظام، معتبرا إن الاستمرار في الانتظار لم يعد خيارا قائما: "لا يمكننا أن نبقى وننتظر موتنا، لا، لا يمكننا البقاء في المنزل ومشاهدة التلفزيون وانتظار ما حدث في هذه الحرب، يجب أن نفعل شيئا لعائلتنا، لبلدنا، لأصدقائنا، ولأنفسنا".

كلام "الخطيب" لا يقنع الجميع، وفيما يدعي اللاعب أن 80 إلى 90% من المشجعين السوريين يؤيدون قرار عودته، يكشف قسم من التعليقات على صفحته الرسمية عكس ذلك، فهو متهم بنظر فئة من المشجعين بالخيانة، وهناك من يكيل له اللعنات والشتائم، مذكرا إياه بأن سيدفع فاتورة تأييده للمجرم في الدنيا والآخرة.
يقول "الخطيب" إنه عاد لمحاولة انتشال سوريا، ولو لحظة، من جحيمها الذي لا ينتهي، مضيفا: "أخيرا اتخذت القرار الصحيح.. أتمنى أن أجلب للشعب السوري السعادة".

ولكن ما تمناه "الخطيب" لم يتحقق في ليلة لقاء منتخب النظام مع كوريا الجنوبية على أرض الأخيرة، حيث خرج ورفاقه خاسرين بنتيجة "0-1".

بعد نحو أسبوع واحد من مشاركة "الخطيب" في اللعب باسم النظام أمام كوريا الجنوبية، بدعوى أنه يريد إسعاد السوريين، جاء واحد من أكثر الأخبار مأساوية، عندما قصف النظام مدينة "خان شيخون" بغاز السارين، لتتوارد الصور المرعبة لضحايا المجزرة (نحو 85 شخصا)، لاسيما من الأطفال الذي يختلجون وينازعون فيما الرغوة تملأ أفواههم.

عندما سألنا "الخطيب" عن الكيفية التي يمكن أن ينظر بها إلى تمثيل نظام يواصل قصف المدنيين، وتعذيبهم وقتلهم، "أشخاص تحبهم، وزملاء في فريقك"، راوغ اللاعب مجيبا: "سؤال صعب جدا جدا، وتابع وعلى وجهه بسمة حزينة: "لا أستطيع التحدث، حقا، أريد أن أتحدث ولكن لا أستطيع".

يقول فراس أنه لم يطأ حيّهم في حمص منذ 6 سنوات، ولم ير والده الذي لا يستطيع مغادرة البلاد بسبب المرض.

ويتابع: "إنها أصعب مرحلة في حياتي... أنا لا أريد أن أعود بسبب اللعب للمنتخب الوطني ولا بسبب تأييد الحكومة أو عدم تأييدها، أريد أن أعود إلى سوريا مثل أي شخص آخر من سوريا، وأريد أن أرى والديّ وإخواني"، بل إن "الخطيب" يعبر عن أمله وحلمه بأن يعود قائدا لفريق يدعى "الكرامة"!

لقراءة الجزء الأول من تحقيق "منتخب الديكتاتور":
للاطلاع على إحدى الموضوعات الممجدة لمنتخب النظام التي نشرت على موقع "فيفا" الرسمي:سوريا، معجزة كرة القدم وسط الألم

إيثار عبدالحق- ترجمة- زمان الوصل
(244)    هل أعجبتك المقالة (265)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي