أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

خمار وعناق مجاني.. عبد السلام حاج بكري*

من حملة "العناق المجاني"

نجافي الحقيقة إن تصوّرنا أن ما جرى الخميس في جامعة "تشرين" في اللاذقية من توزيع للقبلات والعناق المجاني بين الطلبة كان عابرا وعفويا، لقد كان مخططا ومبرمجا في أروقة قصر الأسد عبر مستشاريه والشركات القائمة على العلاقات العامة فيه، نفذه شباب أبرياء يعرفون أو لا يعرفون مغزاه وأبعاده.
النظام الذي سلك منذ توشّحت الثورة السورية بالشعارات الإسلامية التي يكرهها الغرب طريقا مغايرا تماما، سعى من خلاله لرسم صورة العلماني المدافع عن الحريّات والأقليّات في وجه التشدّد التطرّف.

اتّخذ في سبيل ذلك خطوات عملية برزت على النقيض تماما مما سلكه جمهور الثورة، فأخرج مسيرات في دمشق وغيرها من المحافظات تعجّ بالفتيات "المتحررات" يرقصن مع الشباب في الشوارع، في الوقت الذي كانت مظاهرات المطالبين بالحرية تهتف "قائدنا للأبد سيدنا محمد" تغيب عنها المرأة بشكل شبه كلّي.
كذلك استخدم إعلامه وإعلام الشركاء وتعاقد مع شركات تسويق إعلاني وإعلامي للترويج لنفسه كنظام متحرر علماني يواجه متدينين وإسلاميين متشددين يرومون الحكم الإسلامي.

لعّله نجح بعض الشيء في إيصال الفكرة التي يريد إلى الغرب، ولكنه لم يكن ليستطيع تحقيق ذلك لولا المساندة غير المباشرة من الإسلاميين الذين تفاخروا بتشدّدهم، فيما تفرّج الوسطيون والليبراليون من المعارضة على ما يجري عاجزين لا يمتلكون ما يسوقون به أنفسهم في وجه ادعاء العلمانية والتحرّر أو "التطرف الإسلامي". 

نخبة الغرب وقياداته تدرك جيدا أن النظام طائفي، وليس علمانيا إلا بالقدر الذي يضمن مصلحته ويزيد فرص بقائه في السلطة، لكنه (الغرب) أغمض عيونه عما يجري لأنه يريد للحالة السورية أن تستمر على ما هي عليه لتسهيل تحقيق أهدافه ومصالحه حاليا ولاحقا وليس حبّا بالأسد "العلماني" ونظامه.

حاضنة الأسد أقل وعيا من أن تدرك مفهوم العلمانية وموقفها من الديانات، وهي لم تستطع أن تستوعب أن النظام الذي تقف وراءه وتدعمه مجرم وقاتل وإرهابي، إلا أن تسويق النظام لفكرة العلمانية الضيقة المحصورة بالأنثوية، لاقت ترحيبا من شريحة مهمة سارت بها خطوات متقدمة وصولا للقيام بما هو خارج عن المألوف في الشوارع والحدائق والجامعات.

فالأخبار الواردة من محافظتي اللاذقية وطرطوس تشير إلى انتشار دور الدعارة علانية بمعرفة الفروع الأمنية، كما بات مألوفا مشاهدة الخلوات المشبوهة بين الجنسين في الحدائق والشوارع التي يغريها تخيّيم العتمة بانقطاع التيار الكهربائي بالتوسع والانتشار.

وتسبب فقدان عشرات آلاف الشباب في المعارك بارتفاع نسبة الإناث مقابل الذكور وتزايد العنوسة وأعداد الأرامل، فسعت نسبة كبيرة منهن لطلب الجنس بأي طريقة كانت، حتى باتت شبكات إعلام موالية تتحدث بوضوح عن "انحلال أخلاقي" في حاضنة النظام.

عندما لم يكن النظام مضطرا لتسويق نفسه كعلماني أو متحرر كانت دوريات أمنه تجوب الحدائق والأزقة المظلمة لتقبض على كل من يمارس عملا غير أخلاقي أو "يخدش الذوق العام" وتصطحبه للتفييش في فروع الأمن الجنائي، فيما وقفت دوريات فروع الأمن ذاتها الخميس ترعى التقبيل المجاني في جامعة تشرين.

افتقد النظام لأي ملمح سيادي عسكريا وسياسيا بإدخاله الميليشيات الطائفية إلى سورية وسيطرة روسيا على السماء فوق هؤلاء، إضافة لإدارتها الكاملة للملف السياسي، وهو اليوم يتخلى عن دوره المجتمعي فيوعز باستباحة الأخلاق العامة والأعراف والتقاليد، يريد فقط زيادة عدد نقاطه لدى الغرب، لعلّ ذلك يزيد يوما أو أكثر من عمره، ولسان حاله يقول "أنا ومن بعدي الطوفان".

* من كتاب "زمان الوصل"
(126)    هل أعجبتك المقالة (126)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي