ليس أكثر من ذلك...فخمس دقائق تكفي لنقول ما يعتمل في صدورنا كسوريين بعد سنوات الدم وتبديل وجوه زعماء المعارضة السياسية، وكذلك تبديل مذهبهم السياسي حسب وجهة النظر السائدة للطرف الأقوى.
لا يهم السوري اليوم تاريخ رياض سيف السياسي وتلوناته، ولا ماضيه الاقتصادي، ولا إن كان ماهراً في إنتاج قمصان الـ"400" كأهم مشاريعه، ولا إن أفلسته الثورة أو أغنته فالمرء يدفع ثمن مواقفه المبدئية في حياة ليست طويلة لتعويض ما ضاع من مال وشباب.
أيضاً وبعد كل هذا الدم...لا يهم السوري من أتى برياض سيف رئيساً لاتتلاف المعارضة السورية، ومن هم داعموه، ومن هم مؤيدوه ومعارضوه في الائتلاف وخارجه فقد اعتادوا على سياسة الأمر الواقع التي يفرضها الأقوى وصاحب دور الملك.
ما يهم فعلاً هو أن لا يتكرر سيناريو قيادات الائتلاف السابقة وسوابقهم، وأن لا يكون آخر اهتمامهم من يجاهرون بدعمه وأنهم خرجوا معه من أجل سورية جديدة مختلفة لا يسودها الاقصاء والتفرد...سورية على الأقل بمقاس الدم المراق في كل لحظة ونفَس.
الدعوة التي صدرت من رياض سيف قد تكون جيدة إن تم تنفيذها بأمانة وجدية، وهي من أولويات أي مؤسسة ناضجة، ودليل على نقاء سريرة القادمين الجدد...هذا كله إن اشترطت دعوته لإصلاح الائتلاف كأولوية، وهذا في غاية الدقة والضرورة، فإصلاح البيت الداخلي أولاً هو أهم من إصلاح العلاقات مع الروس والأمريكان واستجداء تمويل العرب العاربة وتقبيل عتباتهم المذهّبة.
الدعوة جاءت كما قال سيف لأن "النظام الأساسي كان عائقاً في كثير من الأحيان لتحقيق بعض الإصلاحات، وكذلك توزيع المهام ونظام المحاسبة والمراقبة، ولذلك يجب التأكيد عليه وتجديده"..وبالتدقيق في هذه المفردات هي لب عدم الثقة بالائتلاف فمؤسسة ثورية تتشكل للخروج من مأزق وطني يجب أن لا تكون نسخة باهتة وسيئة عن النظام، وانتخاب نذير الحكيم يطرح أسئلة كبيرة عن شفافية هذا الكيان، وكذلك ترك ملفات الفساد كإرث لحكومة أحمد طعمة بدون مساس يدل على تواطؤ لن يردم الهوة بين هذا الجسم والذين يمثلهم.
الدعوة الثانية هي أجدر بالتطبيق للخروج من الفصام بين الجسم السياسي والعسكري للثورة، والأخير يعاني من التشظي والتفكك أكثر من سابقه، والاثنان معاً قدما صورة هشة وبائسة للمعارضة في سنواتها الأخيرة.
دعوة رياض سيف للفصائل بأن تكون علاقتها تشاركية مع الجناح السياسي دعوة محقة، وحديثه عن قوى كانت تمنع هذه العلاقة يحتاج إلى أن يكون أكثر وضوحاً...والخطوة الأولى أن تسمى الأشياء كما هي، والفاسدون يجب أن يُشهّر بهم لا أن يسكت عنهم كرمى للثورة الناصعة التي ليست موجودة...الثورة الناصعة هي التي تتحدث عن أخطائها بنفس السوية التي تروي فيها إنجازاتها.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية