أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سمارة ليش هيك.. عن لبنان وسوريا ولغة الكراهية*

أرشيف

أتيح لي أن أستمع لتسجيل صوتي لسيدة لبنانية تدّعي أنها هند الحريري، وتكيل أقذع الشتائم للسوريين، خالطة الحابل بالنابل، واصفة "النازحين" السوريين بأنهم أكياس "زبالة" وواصفة السوريات بـ"نسوان الدعارة"، وبعبارات فظة تقول للسوريين "انقلعوا من عنّا".

لا أنكر أن التسجيل الصوتي أزعجني أيما إزعاج كما الكثيرين، فاستوضحت بعض الأصدقاء اللبنانيين الذي قالوا إنها ليست هند الحريري بل سيدة تدعى "سمارة" وهي ناشطة متعاطفة مع آل الحريري، إلا أنها انقلبت عليهم لتعلن ولاءها للواء أشرف ريفي.

وبما أتيح لي من علاقات تواصلت مع أسعد بشارة الناطق باسم ريفي متسائلاً، فأجابني بأن الفتاة لا تمت بصلة للواء ريفي، وأن الأخير يرفض إهانة السوريين، وهو من أشد المدافعين عنهم وعن قضيتهم، ولعلّي تابعت غير مرّة مواقف الرجل التي يبدو منها انحيازه التام لقضية الشعب السوري، ولا أريد هنا تفسير الموقف بالسياسة، وقد يكفيني رفض مكتب ريفي لما قالته "الحسناء".

قصة "سمارة" ليست الوحيدة، وقد لا تستحق اعتبارها ظاهرة، لأن ثمة وسائل إعلام لبنانية استخدمت لغة الكراهية بحق اللاجئين السوريين، كما أن بين السياسيين من تاجر بمأساتهم ومنهم "المعجزة" جبران باسيل، وحتى الحريري نفسه استخدم خطاباً نفعياً لرئيس حكومة في هذه القضية.

مقابل هذا المستوى من الردح والشعبوية، لا ينكر السوريون على لبنان وجود أصوات دافعت عنهم وما تزال، واعتبرت إهانتهم أمراً مرفوضاً ويخالف الأعراف والقيم الإنسانية وحتى الواقع.

إذن أين تكمن المشكلة حتى يستجيب السوريون لطلب "سمارة" و"باسيل"، و"ينقلعوا" من لبنان لكي ينعم اللبنانيون بالعيش تحت أرزتهم، هل هي في التاريخ، أم في السياسة وألاعيبها، أم في الناس أنفسهم.

في التاريخ لبنان جزء من الشام، وبيروت واجة دمشق البحرية، حصل أن جاء سايكس بيكو ليرسم حدودا لا أساس لها، وهي قابلة للزوال في أي لحظة، وبالنسبة للبشر فإن بين كل عشرة سوريين أو لبنانيين هناك خمسة يحملون جذراً أو فرعا مشتركاً.

أما في السياسة، فقد رمى الأسد بكل وسخه على لبنان، وحمّل كثير من اللبنانيين شعب سوريا مسؤولية هذا الوسخ، واستفاد السياسيون من تلك الحقبة فبنوا إماراتهم وإقطاعاتهم على دماء الشعبين، كما بنى آل الأسد امبراطورية مال وعسكر على جماجم الشعبين ومن جيوبهم وبالشراكة مع فاسدين في لبنان.

وحتى يستقيم الوصف ويستجيب السوريون للحسناء "سمارة" فإن المطلوب اليوم تفسير بقاء حزب الله في سوريا، وقتاله الشعب السوري إلى جانب قوات الأسد، كما أنه مطالب بتفسير للبنانيين أنفسهم عن القرى التي هجّر أهلها في غرب حمص وريف دمشق الغربي ومحيط العاصمة.

السوريون ليسوا "أكياس زبالة" يا "سمارة".. السوريون في لبنان قسمان، الأول بنى على أكتافه هذه العمارات وشق بأيديه هذه الشوارع التي تملؤونها صياحا وشتائم وأكاذيب، وقسم هجّرته آلة القتل التي يعتبر حزب الله أهمّ مكناتها ومديريها، السوريون يدفعون فوق تهجيرهم دماً وإذلالاً وشتائم ولغة كراهية.. السوريون في أوروبا ليسوا "خواجات" ونصّابين يلبسون "برنيطات" و"يطقون حنك" على "الشانزلزيه"، وليسوا مخربين وأولادهم اليوم يثبتون إبداع السوري في كلّ مجال.

وإذا كان هناك من يصدر الطائفية، فعلى كل حصيف أن يراقب جوّ لبنان المنقسم إلى تلوينات تكره بعضها منذ خمسين عاماً، تلوينات سبقت ما يحصل في سوريا، وقتلت على الهوية.

لعل لبنان ليس "سمارة" وليس "باسيل" ولا ورثة الدمّ الذين أضاعوه.. لبنان فكرة .. ولكي تبقى هذه الفكرة تحتاج لمنبتها الأصيل .. وهو سوريا الكبيرة التي مازالت تعيش في قلوب الغيارى وأبناء البلد.

*علي عيد - من كتاب "زمان الوصل"
(308)    هل أعجبتك المقالة (305)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي