أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"حرم المقامين" وجمهورية الشمال السوري.. حسين الزعبي*

أرشيف

تتوالى عمليات التهجير من محيط دمشق، وكأنها تجري في كوكب آخر، فلا رد فعل يناسب الحدث من السوريين الذين يبدو أنهم دخلوا مرحلة العجز عن فعل أي شيء.

ولا تصريح يخرج من عاصمة عربية يُذكر بأن دمشق وريفها يقطنهما أناس من تركيبة سكانية واضحة المعالم يتم تهجيرهم إلى أقصى الشمال السوري بإدارة "إيرانية -حزب لاتية".

وبمجرد دخول إيران وذراعها "حزب الله"، فهذا يعني أن تغييراً ديمغرافياً واستبدالاً سكانيا سيجري سواء امتلكت إيران من البشر ما يغطي مساحات التفريغ أم لم تمتلك، إذ يكفي أن تخضع المناطق المهجرة لسيطرة ميليشياتها حتى تكون لها الكلمة الفصل.

تعاطى السوريون من أهل الثورة مع التهجير باستخفاف منذ بدأت أول لعناته برعاية "فصائلية - دولية"، وكانت من أحياء حمص القديمة، والأدهى والأمرّ أن البعض راح حينها يدافع عن الحالة انطلاقا من أن إدلب هي الأخرى أرض سورية ولا فرق بينها وبين وحمص، وكأن ذاك الخروج كان بهدف الاستجمام في الشمال، ولم يكن اقتلاعا من الأرض.

الاستخفاف "الثوري" في تلك الحالة قابله سقوط أخلاقي من مؤيدي النظام من كافة الطوائف وأولهم "السنة" الذين لم يحركوا ساكناً واكتفوا، ولاسيما رجال الدين منهم، بالتمسح بحذاء "السيد الرئيس" وكأن الأحياء التي أفرغت من أهلها بحجة المسلحين وعدم السماح حتى للمؤيدين منهم بالعودة إليها هي أحياء من مدينة في أقصى جنوب سيريلانكا.

الآن ومع مشروع التهجير الجديد من أحياء دمشق الجنوبية وفي قلبها مخيم اليرموك ستصبح السيطرة الإيرانية "الديمغرافية" على الكتلة الجغرافية المتاخمة لدمشق مكتملة المعالم، ومعها يصبح ما يطلق الإيرانيون عليه "حرم المقامين" أمراً واقعا يمتد من مدينة داريا حيث "مقام سكينة" إلى منطقة "السيدة زينب" مع هوامش تمتد إلى منطقة "بساتين الرازي" من الشمال الغربي، وصولا إلى مثلث الموت في الجنوب الغربي وهي منطقة التقاء أرياف درعا والقنيطرة ودمشق، أما الجنوب الشرقي فتتجاوز حدوده منطقة "الذيابية".

إيران تواصل عبثها ديمغرافيا في سوريا وهذا أمر أصبح معروفاً للقاصي والداني، وللأسف معرفة السوريين بذلك أحالت مسلسل التهجير الذي بات شبه أسبوعي إلى حالة اعتيادية لا يتحرك لها ساكن حتى ولو كان على وسائل التواصل التي قد تشتغل لمباراة كرة قدم، هذا فضلا عن مجرد بيانات باهتة من التشكيلات السياسية، وسلوكيات أكثر "بهتانا" من التشكيلات العسكرية التي ما زالت تمتطي أكتاف الثورة.

لا نملك أن نلوم من هو تحت القصف عندما يتخذ قراره بالخروج إلى الشمال، وما نملكه مجرد قرع جرس الخطر من عمليات يطلق عليها جزافاً اسم تهجير، فهي أكبر من ذلك وأخطر، هي قلب لكيان مجتمعي كامل ربما تبقى تبعاته قائمة لعشرات السنين.

* من كتاب "زمان الوصل"
(166)    هل أعجبتك المقالة (177)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي