محطات في ثورة مكلومة.. فؤاد عبد العزيز*

أرشيف

كلما كان يخرج أردوغان ويقول عبارته الشهيرة: لن نسمح بحماة ثانية، كنت أقول لمن هم حولي من الإخوة الثوار: يا جماعة، أخشى أن يورطنا هذا الرجل في وحل النظام، ثم يتركنا نغرق وحدنا، لكن أقرب الثوار إلى نفسي أقنعني ذات مرة أن الزمن تغير عما كانت عليه الأمور أيام حافظ أسد في الثمانينيات، وأن أردوغان عندما يقول هذا الكلام إنما ينطق باسم حلف النيتو، فقلت له يومها: إذا، "عين خير".

دارت الأيام ومرت الأيام، وشاءت المصادفات أن ألتقي بالشخص الذي فضحه هيثم مناع ذات مرة وخرج على القنوات التلفزيونية يتحدث عن أن أحدهم عرض عليه تمويلا لتسليح الثورة، لكنه رفض وبشدة وأعلن هيثم في ذات اللقاء موقفه الشهير من التسليح، والذي ساهم كثيرا في انقسام المعارضة منذ أيام الثورة الأولى، لقد كان هذا الشخص إنسانا عاديا، ولا يملك ثمن تمويل رحلة صيد عصافير، فما بالك بتسليح ثورة..!!

وقدم عرضه في إطار جلسة "تهريج" حماسية وكنوع من التعويض عن التهميش وقلة التقدير التي كان يحظى بها من قبل محيطه، إلا أن هيثم وجه له ضربة قاضية، لم تقم له بعدها قائمة، فقد سيطرت عليه فوبيا أن تعمد أجهزة المخابرات للضغط على هيثم لمعرفة هذا الشخص الذي يعيش في أوروبا ويعرض تمويلا لشراء أسلحة، فلم تزده "الفشخرة"، إلا تهميشا.. !! 

بكل الأحوال الميعاد لم يفت والثورة لم تنته ما دام رياض سيف، الذي انتخب رئيسا للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، يحظى بكل هذه المحبة والدعم من قبل جمهور كبير من المعارضين المثقفين والثوار العاديين على حد سواء ومن كافة الطوائف والأعراق، وهو دعم فسره البعض بعقدة "الشامي" وتفوقه التي ضيع معاذ الخطيب الكثير من معانيها وهيبتها، فهل يستعيدها رياض سيف ويبيض الفال كما يقولون..؟! 

لكن لا بد أن ننتبه إلى أن كليهما، معاذ الخطيب ورياض سيف، لديهما نفس القاسم المشترك، وهو فشلهما في عملهما الأساسي في الاقتصاد والدين، وهما وإن حملا نظام الأسد الأب والابن المسؤولية عن هذا الفشل، إلا أن ذلك لا يمنع من أن نقدم لمحة مختصرة عن موقع "الشامي" من السلطة في سوريا في عهد الأسدين، فهو منذ البداية قرر أن ينأى بنفسه عن العمل في السياسة والجيش، مقابل منحه الحرية الاقتصادية والدينية، وكان له ما أراد، وحتى عندما قرر العمل في السياسة عبر الدخول إلى مجلس الشعب فقط، كان الهدف الحصول على الحصانة التي تمنحه المزيد من النشاط الاقتصادي والديني. 

ما حدث مع رياض سيف من مواجهة مع السلطة في فترة مبكرة، لم يكن محركه موضوع الحريات السياسية بالدرجة الأولى، وإنما محركه كان فساد السلطة السياسية الذي أثر كثيرا على أعماله التجارية والصناعية وتسببت بخسائر فادحة له، أوصلته في النهاية إلى مرحلة إعلان الإفلاس.. 

والكثيرون تساءلوا: لو أن السلطة منذ البداية سهلت لرياض سيف كل أعماله التجارية والصناعية وساعدته على تحقيق الأرباح، هل كان سيتحول إلى معارض شرس لها..؟

وذات الشيء بالنسبة لمعاذ الخطيب، لو أن السلطة أبقته خطيبا للمسجد الأموي، هل كان اليوم في موقع المعارض لها..؟

ليس القصد من طرح هذه التساؤلات، هو التشكيك بمدى معارضة الرجلين أو بمدى ثوريتهما، لكننا نحاول البحث في شخصيتهما بناء على خلفيتهما غير السياسية، وكذلك طموحهما غير السياسي، وهذا الأمر لطالما أعلن عنه سيف أكثر من مرة ونفى أن يكون لديه أي طموح سياسي لا في المرحلة الحالية ولا الانتقالية ولا الدائمة .. إذا، ما هي الإضافة التي قد يقدمها رياض سيف للائتلاف الوطني وهو في أسوأ مراحله.. ؟
قد تكون الإضافة هي بالفعل هذا عدم الطموح السياسي، ورياض سيف منذ الأساس وفي التسعينيات من القرن الماضي لدى بدء نشاطه السياسي المعارض، لم يظهر رغبته بالعزف المنفرد، بل كان على الدوام يصطحب معه "أوركسترا " من الناشطين ويدفع الثمن منفردا، أو الأغلى.. ولعل ذلك حسنة قد تدفع المعارضين الآخرين للعمل معه وهم مطمئنون.. وما عدا ذلك ليس هناك الكثير من الآفاق الإيجابية، على المستوى الدولي أو الداخلي، تجعلنا نتوقع من الرجل أكثر مما فعل أقرانه من رؤساء الائتلاف السابقين. 

في النهاية، لا أريد أن أختم قبل أن أسجل ملاحظتي على تصرف المقدم ياسر عبد الرحيم من وفد المعارضة العسكرية في الأستانة عندما شتم إيران وأظهر مفاجأته أن توقيع الاتفاق سوف يكون مع إيران، بصراحة لم يعجبني تصرفه، فمادام قبل التفاوض مع إيران ومنذ عدة أشهر، فهل كان يعتقد انه سيوقع مع ريال مدريد مثلا.. ؟!

* من كتاب "زمان الوصل"
(228)    هل أعجبتك المقالة (212)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي