مرّ اليوم الأول على اتفاق "أستانة" دونما خروقات وموت يذكر، بواقع الانتهاك والقتل المستمر، منذ تمادى السوريون على نظام "آل الأسد" وطالبوا بالكرامة والحرية والعدالة باقتسام الثروة.
وتنوعت ردود الأفعال، حول اتفاق أقل ما يقال فيه، إنه مذّل، ولا يشفع التبجح بـ"ليس بالإمكان أحسن مما كان" أو حتى التحميل على المحاصرين بالداخل، ببساطة، لأنهم أبعد ما يكونون عن خلد الأشاوس الموقعين، الذين ينوبون عن الأسد بمناطق سيطرتهم، إن لجهة التجويع وكم الأفواه، أو حتى للقتل، وربما بمقاتل الغوطة التي يشرف عليها فصيل رئيس وفد "أستانة"، دليل لا يحتاج عناء الإثبات.
وربما ببعض ردود أفعال، ما يتم الوقوف عليه بحيرة، إن الأمريكي الذي تحفظ على الضامن الإيراني، رغم أنه من ألف وأخرج معزوفة "أستانة"، أو حتى الأسد وإيران، اللذين جاءهما الاتفاق كطوق نجاة، وإن لأجل، يبعد الأول عن السقوط والمحاكمة، والثاني عن الطرد المذّل الذي ستلقاه.
قصارى القول: ثمة نقاط عشر يمكن قراءتها من اتفاق "أستانة" الذي دخل حيز التطبيق منذ أمس السبت، مع بعض الملاحظات الأخرى، التي تتباين، بين هنا وهناك، على حسب القارئ ونوعية القراءة.
1- وقع على النص، من يحكم سوريا "روسيا، تركيا وايران" بغياب ذي دلالة للمعارضة والنظام.
2- تم الخلط المتعمد بين مناطق تخفيف حدة الصراع وبين المناطق الآمنة، رغم الفوارق وأهمها حظر الطيران.
3 -المناطق الأربع مقدمة للتقسيم، أو لاقتسام النفوذ، وخاصة إن استمر استعصاء الحل السياسي.
4- وجود روسيا وإيران كضامنين، رغم أنهما سبب وأدوات القتل، بل وتفشيل الثورة وعدم سقوط النظام، وليس إيران وحدها كما حاول بعض الثورجية التسويق.
5- عدم التطرق لعصابات الأسد وميلشيات إيران ضمن المشروع، بل والاكتفاء بمن هم مصنفون وفق المزاج الدولي للإرهاب.
6- وضع فخ محاربة "الإرهابيين" ومن قبل المعارضة المشاركة والنظام، ما يعني تحويل الاقتتال إلى ما بين صفوف المعارضة، وخاصة في إدلب التي تعتبر "جبهة تحرير الشام" التي تضم "فتح الشام"، الأقوى على الأرض.
7 -عدم إدخال قطر والسعودية ضمن الاتفاق سيفشله وسيزيد من الاقتتال، إلا إن أدخلوا ضمن "الفريق العامل المشترك" لاحقا.
8- المناطق الأربع الآمنة جاء كمطلب روسي، رغم رفض موسكو فكرة المنطقة الآمنة الواحدة التي طرحتها تركيا قبل نحو عامين، وجاء الطرح الروسي من قبيل تبني الفكرة للحفاظ على ماء الوجه، وكي لا تبدو أنها فرض أمريكي، جاء إثر مهاتفة بوتين لترامب أول أمس.
9- ستكون أستانة مقدمة لجنيف جديد سيكون الحضور الأمريكي خلاله أقوى والبلطجة الروسية شبه معدومة، وبدأت واشنطن تزيد من حضورها على الأرض، كما رفعت من تمثيلها بأستانة.
10- للأسف ليست المعارضة برمتها، بوضع يمكنها من رفض الحضور أو رفض بنود المشروع أو حتى الحضور كطرف لتوقع، ولكن ورغم الوجع من مفاوضة المحتلين على بقائهم، ثمة مكاسب من "المناطق الأربع" لجهة السوريين الذين ذاقوا الويلات ولم يعد لهم نصيرا، وخاصة إن لاقت بنوده طريقها لجهة نزع سلاح العصابات على الأرض ووقف القصف والموت وإدخال المساعدات.. وإعادة تأهيل البنى التحتية والخدمات.
خلاصة القول: ثمة أمران بالاتفاق، هما الأخطر والمصيدة التي سيقع في شركها السوريون، أياً كانت الظروف وبلغت سطوة وصلاحية الضامنين وحتى "الفريق العامل المشترك" الذي سيدخل قريباً على خط اقتسام خراب سوريا.
الأول، أن ملامح التقسيم بادية بوضوح، وخاصة بواقع استمرار مراوحة الحل السياسي وعدم الرغبة الدولية به، ما سيبقي هذه المناطق بمثابة اقتسام نفوذ لمن يسيطر على الأرض، ومن الدول المحتلة خاصة، إن لم نقل تقسيم أبعد "سوريا المفيدة" وتركها بما فيها، معلقة بيد الأسد الذي غاب عن الاتفاق، إن لجهة بقائه أو مصيره.
وأما الأمر الثاني، فهو تحول الصراع إلى داخل تلك المناطق التي يكثر فيها من يسمى "إرهابيين"، هذا إن لم نأت على التعاون لمقاتلتهم، بين المعارضة الموقعة وجيش الأسد، بحسب الاتفاق، ما يعني فيما يعني، شرعنة وجود جيش "أبو شحاطة" القاتل ومنحه شهادة بطولة إلى جانب صك الغفران، على قتله السوريين وتأكيده أنه جيش الأسد المدافع عن كرسيه، وليس جيش سوريا الوطني الذي يحفظ السلم والحدود، ويقف إلى جانب قرار الشعب.
ربما سيفرض "أستانة" بقوة الأرض ورعاية أمريكية، لكن الأهم برأينا، أن تتنبه الهيئة العليا للتفاوض، والتي نعتقد أن دورها سيعود قريبا بقوة، مع عودة جولات جينيف بحلة جديدة وحضور أمريكي فاعل، لتدمج ضمن "مؤسستها" التي لا بد من تكوينها اليوم، على نحو مختلف، وفد "أستانة" أو بعضه، كي تلغي التشظيات التي ستزيد برعاية أصحاب المصالح، وتوقف تمييع الثورة وتشتيت حقوق السوريين وأهدافهم، وتنزع -الهيئة- شرك الفخ الذي تعمده الروس والإيرانيين بتلك النقطتين.
لأن الفترة مفصلية وزمن الرموز والأبطال الخارقين قد ولّى...كما ولّى زمن الحقوق والمنطق والعدالة، وفرض منطق المصالح والقوة نفسه على الجميع.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية