أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سوريا 9 جمهوريات حتى الآن.. عبد السلام حاج بكري*

من غوطة دمشق - أرشيف

إن توفير نقطة دم واحدة بجسد طفل سوري جدير بالتقدم خطوات وخطوات باتجاه الخصم، والجلوس معه على طاولة واحدة قد يكون الأقوى عليها المجرم، وهذا ما فعله ويفعله المفاوض السوري طوعا أو قسرا ما بين الأستانه وجنيف.

ورغم أنه لم يملك رفاهية القبول أو الرفض لما طرح من أفكار إلا أننا سنجامل أنفسنا وندّعي أنهم فعلوا ذلك أملا باختصار بعض الدم المراق دون جدوى حتى الآن.

وسيفرح المفاوض السوري المعارض بالاستقبال الإيجابي من المقهورين السوريين لمخرجات الأستانه 4 (إن حصل) ويتمختر كالطاووس مزهوا بانتصار لن يكون.

تقييم الانتصار حكر على السوري المقهور الذي صمد بمنزله أو خيمته داخل سوريا، ولا يجوز لومه إن فكر بأمنه اليوم وأغفل منعكسات ما تم إقراره في الأستانه على غده ومستقبل سوريا.

ولا نعتقد أنا ألمه المتكدّس يمنعه من التمعّن بكل ما تحتويه مقررات الأستانه، ولا شك أنه سيجد فيها مخططا تصبح فيه سوريا تسع سوريّات، وأنها لن تختصر عليه قذائف الأسد والخوف منها، ولن تكون مظلة تمنع عنه براميل النظام وصورايخ روسيا أو درعا يقيه غدر الميليشيات الشيعية.

بعد منشور لي على صفحتي الشخصية أشرت فيه إلى أنا سوريا تصبح بفعل مخرجات الأستانه ثمان سوريّات ولاحقا 9، تحدّث إلي ناشط لم يتجاوز العشرين من عمره، يسكن أحد مخيمات ريف اللاذقية معدّدا بالتفصيل هذه المناطق رغم أنني لم أفعل.

الناشط مجد اتفق معي أنها كالتالي: الأربع الأولى هي التي شملها تخفيض التوتر، والخامسة هي المناطق الخاضعة لسيطرة النظام من دمشق إلى اللاذقية إضافة إلى حلب، أما السادسة فهي المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديموقراطية، والسابعة هي منطقة درع الفرات، أما الثامنة فهي المناطق الي يسطر عليها تنظيم "الدولة" في منطقتي الفرات والجزيرة، أما التاسعة فهي السويداء.

لكل منطقة نفوذ خصائص تميزها عن غيرها، والغريب أن المناطق الأربع التي شملها "تخفيف التوتر" ستكون الأكثر دموية في المرحلة القادمة، لأنها تضم عناصر من جبهة النصرة التي طلب بيان الأستانة من المعارضة المعتدلة الاشتراك مع قوات النظام والميليشيات المدعومة إيرانيا في قتالها وهي مستثناة من "تخفيف التوتر".

وتعتبر مناطق سيطرة تنظيم "الدولة" هدفا لصواريخ وعمليات القوى المحليّة العالميّة التي تدّعي محاربة الإرهاب، وعند الانتهاء من التنظيم، تتقاسم هذه القوى العالمية مواقعه وتشترك في تقاسم ثروات المنطقة، ولأمريكا الحصة الأوفر.

في الجغرافية التي تملأها قوات سورية الديموقراطية، حيث يشترك الأمريكان والروس النفوذ، ويتنازعان خفية على المساحات، وتبدو "قسد" سعيدة بتهافت الدولتين على دعمها دون نظرة متعمّقة لمنعكسات ذلك مستقبلا. 

لن تتجاوز أهمية منطقة درع الفرات كونها المنفى الإجباري لضحايا التهجير الطائفي، يتولى فيها الجيش الحر تنفيذ توجيهات الحليف التركي.

وتخطّط روسيا لزيادة عدد السوريّات إلى 9 من خلال طرحها تأسيس جيش درزيّ في السويداء يتولى مسؤولية أمن الجمهورية التاسعة.

يدرك السوريّ أن مناطق النفوذ هذه مقدّمة لتقسيم فعليّ للبلد الجميل سوريا، ويبدو متفائلا مَن يرى أنها "الفدرلة" التي طالما كانت مرفوضة من طرفي الصراع باستثناء المكّون الكردي عامّة.

رغم أن احتمال انخفاض العنف بعيد لعشرات الأسباب، إلا أنه لو حدث لن يمنح السوري متّسعا للفرح، لأنه سيجد قاتله الروسي والإيراني ضابطا لإيقاع حياته، يتحكّم بتدفق الغذاء والدواء إليه، يلتقيه على الحواجز ونقاط العبور.

أتخمت الأستانات السابقة ذاكرة السوري بالهزائم والتهجير، وكان من سوءاتها أيضا أن ما خرج منها للعلن أقل مما خفي، وظهر لاحقا قهرا جديدا على الأرض، وهو يجهل اليوم ما يخفيه الأستانة الأخير، ويطرح حول النصوص الصادرة عنها عشرات الأسئلة، وهو الذي اعتاد الغدر الروسي وتهيّب المفاوض السوريّ من الإعلان عن كل شيء دفعة واحدة.

كل جملة في بيان الأستانة تحمل وجوها عدّة، وسيعمل الطرف القويّ على تأويلها بما يخدم أهدافه، لقد جعل من الخصم حكما، ومن السوريّ الموالي والمعارض نكرة، منع عنه شرف رفض أو قبول ما تقرر.

سوريا تترقب اليوم الفعل الأمريكي، هل ستنفّذ إدارة ترامب ما عزمت عليه من بتر اليد الإيرانية في سورية والقضاء على تنظيم "الدولة" ومن ثم تنحية الأسد، وتسعى روسيا جاهدة لجعل هذا البيان منطلقا تؤسس عليه مع أمريكا الحلّ في سوريا.

* من كتاب "زمان الوصل"
(117)    هل أعجبتك المقالة (131)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي