أمضى "أبو رامي" وهو اسم مستعار لمعتقل سوري فلسطيني سابق أكثر من عام متنقلاً بين فروع عدة للمخابرات السورية بعد وشاية من أحد مخبري النظام في حي "جرمانا" بدمشق.
ورغم قصر المدة نسبياً، إلا أن الاعتقال ترك في نفسه ندوباً عميقة لا يمكن نسيانها بسهولة وأمراضاً جسدية لا يزال يعاني منها إلى اليوم رغم مرور أكثر من 3 سنوات على خروجه من زنازين الموت.
كان أبو رامي المتحدر من جنوب دمشق يعمل في محل لبيع الجوالات في "جرمانا" في تشرين الأول أكتوبر/2012 عندما اقتحمت المخابرات العسكرية المحل واقتادته إلى الفرع ليتم تحويله إلى قسمها بمنطقة "السيدة زينب"، حيث أمضى يومين، وهناك رأى كما يروي لـ"زمان الوصل" أول عملية تصفية لشاب معتقل أمامه ويُدعى "عمر" الذ تم اعتقاله بكمين في منطقة "حجيرة" جنوب دمشق وتمت تصفيته -كما يقول محدثنا- بالضرب المبرح بالبواري المعدنية والبلوك والحجارة، عازيا إقدامهم على فتله إلى أسباب طائفية لأن اسمه "عمر"، وكانت منطقة "السيدة زينب" ذات الأغلبية الشيعية قد تعرضت في ذات اليوم لقذائف أطلقها ثوار دمشق.
ويستعيد محدثنا حادثة أخرى جرت لثلاثة شبان من "سبينة" ومخيم "اليرموك"، وكان هؤلاء الشبان قد سلموا أنفسهم لحاجز الكابلات المشهور في منطقة "سبينة"، بعد أن خُدعوا –كما يقول- بوجود عفو لكل من يسلم نفسه، ولكنهم فوجئوا بعناصر الحاجز يقولون لهم "أنتم مدنيون ويجب أن تكونوا مسلحين ليشملكم العفو.
وأردف أبو رامي أن الشبان طلبوا من العناصر اعتبارهم عساكر من الجيش الحر وتم تدوين اعترافات وهمية لهم ليشملهم العفو ويجروا تسوية ولكن عناصر الحاجز غدروا بهم وحولوهم إلى فرع (المنطقة 227)، وهو الفرع ذاته الذي كان فيه، مضيفاً أن أحد هؤلاء الشبان توفي فيما بعد تحت التعذيب، ولم يُعرف مصير الآخرين.
تعرض محدثنا الذي كان يدرس في السنة الرابعة هندسة معلوماتية بجامعة دمشق إلى تحقيق صارم وصعب رغم عدم وجود أي تهمة بحقه سوى اتهامه جزافاً بإدارة تنسيقيات جنوب دمشق، وبعد إنكاره لهذه التهمة تم تحويله إلى فرع (المنطقة 227) مع 8 شباب وامرأة وهو أحد الأفرع الأكثر وحشية، والأكثر ارتكاباً لجرائم التصفية بشكل يومي، وعند تحويله لهذا الفرع مع عدد من المعتقلين كانوا مقيدي اليدين ومغمضي العينين وتم إنزالهم إلى طابق سفلي، وبعد الكشف عن عيونهم رأوا -كما يقول– مكتبين وبدأ العناصر بتدوين بياناتهم وهم يشتمونهم طوال الوقت بعبارات بذيئة ويقولون لهم: "تمردتو تمردتو وآخرتكن رجعتو للبوط وهلق رح تدفعو ثمن التمرد غالي".
وأردف محدثنا أن عناصر الفرع كانوا يقولون لهم بكل صلافة: "لا عاد تحلموا بشي إلو علاقة بالحياة"، وبعد ذلك تم أخذهم إلى غرفة ثانية وأمروا –كما يقول- بخلع جميع ملابسهم عدا "الكيلوت" وحلقوا لهم على الصفر ثم سكبوا فوقهم ماء بارد رغم أن الجو كان تشرينياً قارصاً.
ويمضي المعتقل السابق واصفاً حفلة استقباله في (الفرع 227)، حيث تم توزيع بعضهم على منفردات ووضع الباقون في جماعيات، وكان نصيبه في جماعية تُدعى "جيم1" تحت الأرض ولا تدخلها الشمس ولم يكن فيها سوى السراديب والكيردورات وأصوات شفاطات الهواء التي كانت مزعجة للغاية.
لدى وصول المعتقل "أبو رامي" إلى الجماعية كان الباب الحديدي موصداً بقفل كبير من الخارج وعند ودخوله كانت العتمة تسود المكان وبعد خطوات بدأت الرؤية تنكشف أمام عينيه، وبدأ يرى المعتقلين الذين كانوا حليقي الرأس ونحيفين كالأشباح –بحسب وصفه- يجلسون فوق بعضهم البعض نظراً لضيق المكان الذي كان يضم 65 معتقلاً.
كهرباء
بعد 4 أيام نادى "الشاويش" على المعتقل الجديد بالاسم، فشعر بالخوف والرهبة -كما يقول- وعندما اقترب من باب المهجع لطمه "الشاويش" على وجهه وسبه وقال له إنه مطلوب للتحقيق، وغطى عينيه بقماش قبل الخروج من الجماعية، وأمره بالمشي جاثياً على ركبتيه، وعند وصوله إلى مكتب المحقق بدأ الثاني يسأله عن كل ما يخص حياته وأسماء أهله وأقاربه وأصدقائه وعمله ودراسته وعلاقته بأسماء ذكرها له، فكان ينفي معرفته بهم وحينها –كما يقول- بدأ المحقق بتعذيبه بضربه برجليه على أنحاء جسمه وخاصرتيه وبخاصة حين علم أنه يعاني من مشاكل بالكلى وتنتابه نوبات بحصة، وكان المحقق –كما يروي أبو رامي- يسأله عن عدد التنسيقيات التي شكلها والمحطات المغرضة التي تعامل معها ولمن كان يرفع صور المجازر ويضيف محدثنا: "حينما كنت أنكر هذه التهم كان المحقق يزيد في تعذيبي إلى أن أُغمي عليّ وحينها نادى الشاويش، وطلب منه أن يضعني تحت الماء حتى أستعيد وعيي".
ويردف أن الشاويش وضعه تحت حنفية ماء باردة جداً فأحس أن قلبه سيتوقف وأعيد ثانية إلى المحقق الذي راح يصعقه بالعصاة الكهربائية.
وتابع المعتقل السابق أن المحقق أمره وهو معصوب العينين أن يبصم على 6 أوراق فارغة من البيانات كما لاحظ من تحت "العصبة"، وبعدها تمت إعادته إلى الجماعية وكان -كما يقول- متعبا جدا، ولا يقوى على الحركة، وبدأ رفاقه في الزنزانة يدلّكون أماكن الضرب في جسمه ويقولون له: "عليك أن تعتاد على هذا الأمر".
جروح متعفنة
ويصف أبو رامي مكان اعتقاله الذي كان مقرفاً للغاية، وكان الكثير من الشبان المعتقلين فيه مرضى وبعضهم كانت جروحهم مفتوحة ومتعفنة ومتقيحة، مشيراً إلى أن معتقلاً أو أكثر كان يموت داخل الجماعية بشكل يومي، بسبب المرض التعذيب وعندما يموت المعتقل كان الشاويش يدق باب الجماعية ويصرخ أن أحد المسجونين توفي وعندما يسأل المعلم عن سبب موته لم يكن الشاويش يجرؤ على القول بأنه كان في التحقيق فيكتفي بالقول إنه "أكل ونام وما فاق".
أثناء اعتقاله في فرع المنطقة لمدة 7 أشهر عُرض أبو رامي -كما يقول- 8 مرات على التحقيق وفي إحداها تم معاقبته وتحويله إلى المنفردة حيث بقي 22 يوماً وكانت المنفردة –سب قوله– أسوأ بكثير من الجماعية، حيث كان فيها مع 13 شخصا 4 منهم كانوا يجلسون و9 يقفون، ويتبادلون المواقع كل فترة، وكان الأكل أقل وكانوا -كما يقول- يوفرون حصة يومية للجردون الذي كان يطل من فتحة التهوية خوفاً من نزوله إلى أرض الزنزانة، وكان الخروج إلى التواليت بمعدل مرتين في اليوم فقط.
ويصف أبو رامي حالات الموت بالشيء المألوف والعادي حتى أن "المعتقلين كانوا يفرحون للميت لأنه ارتاح ومنهم طفل من بلدة يلدا يُدعى رسلان نجيب 11 عاما، وطفل آخر يكبره بسنتين من جديدة عرطوز يُدعى أحمد الأحمد، كانت تصيبهما حالات هذيان وجنون فيخرجهما المعلم ويضربهما بوحشية حتى يُغمى عليهما حتى ماتا ذات يوم تحت التعذيب".
وبعض المعتقلين -حسب محدثنا- كان يتم إخراجهم بحجة التحويل إلى المشفى لنفاجأ بتصفيتهم، وبعضهم يُلقون في التواليتات أو خارج الجماعية وبعضهم الآخر يتعرضون للخنق.
وأحد المعتقلين -كما يقول أبو رامي- أُعطي حبة على أنها دواء للالتهاب وعند تناوله لها أُصيب جسده بالازرقاق وتوفي بعد ساعات ليتضح أنه أُعطي "حبة غاز".
بعد سبعة أشهر تم تحويل "أبو رامي" إلى (الفرع 284)، حيث بقي فيه حوالي 37 يوماً ليتحول بعدها إلى (سرية المداهمة 215)، وبقي هناك 62 يوماً ليتم عرضه بعدها على القضاء العسكري، الذي حوّله بدوره إلى الشرطة العسكرية في "القابون"، حيث تعرض لتعذيب قاسٍ وبقي 35 يوماً إلى أن أودع في سجن "عدرا"، الذي سُجن فيه 3 أشهر بانتظار دوره في محكمة الإرهاب، وبعدها طلبه القاضي السادس "سامر زرابيلي" الذي أعطاه أمر ترك في الشهر الثاني من 2014 لعدم وجود اتهامات واعترافات، وبعد الإفراج عنه أرسلت له برقية مراجعة فرع المنطقة، لكنه هرب إلى تركيا من مناطق سيطرة تنظيم "الدولة"، الذي اعتقله في منطقة "الباب" بريف حلب وخضع لدورة "استتابة" ليخرج من مناطق تهريب في مدينة "إعزاز" إلى تركيا.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية