أعلم تماما أن بعض الإخوة الأكراد يسعى لأن يجعل من الموضوع الكردي أولوية عند مناقشة المسألة السورية، وقد نجحوا حتى الآن، في استجرار عدد كبير من الناشطين والمثقفين والسياسيين السوريين، والاشتباك معهم في النقاش وصرف الانتباه عن قضية الثورة الأولى، والتي هي إسقاط نظام الأسد الدكتاتوري في دمشق.
لذلك لن أتحدث عن هذا الأمر، الذي أرى أن طرحه في هذه المرحلة بالذات، هو ابتزاز رخيص لحالة التشرذم التي تعيشها الثورة السورية، إضافة إلى أن المأساة السورية لا يسمح لها الوضع بحسم موضوع على هذا المستوى من الأهمية، وكأنك تطلب من أهل الميت أن يشاركوا في أفراحك قبل أن يدفنوا ميتهم..!!
ويجب ألا نغفل أن حرف بوصلة الثورة عن هدف إسقاط الأسد، من الأشياء التي بدأت تسعد النظام وإيران وقناة الميادين وتثير شماتتهم، كالخلاف الطاحن في الغوطة الشرقية بين جيش لا أعرف "مين" مع فيلق لا أريد أن أعرف من "هو"، وهو خلاف يستنزف اليوم الكثير من طاقة الثورة الإيجابية، لدرجة بدأنا نسمع صيحات تتمنى لو أن النظام يدخل إلى الغوطة ويخلص أهلها من هؤلاء "الزعران" وترحيلهم إلى إدلب.
لم يعد خافيا على أحد، أن الحديث عن انحراف الثورة وشتمها، بات متاحا في كل الأوقات، ولمن هب ودب، وحتى من أعز أبنائها.
لقد تلاشت هالة القداسة التي غلفت ثورتنا خلال السنوات الثلاث الأولى، ولم يعد أحد اليوم يغضب على من يتناولها بالسب والكلام البذيء، وهو ما أدى إلى تصاعد النبرات التي بدأنا نسمعها مؤخرا.
فمثلا، قبل ثلاثة سنوات لم يكن سمير متيني قادرا على الإعلان عن كرديته أو التحيز لها على هذا النحو الصارخ واليومي، وهو اعترف أنه لم يقل إنه كردي إلا من سنة ونصف فقط!
باختصار، عندما ضعفت الثورة وتشتت، كثرت السكاكين على رقبتها، ولا نستغرب، أنه إذا ما استمر التردي على هذا النحو، فإننا مقبلون على مرحلة سوف يزداد فيها الانعتاق من هذه الثورة والتهرب من تبعات الانتماء إليها حتى من صناعها، وهو أمر بدأت تلوح بوادره في الأفق..ولعله الأخطر!
إذا، ما الحل..؟
الحل هو بعودة القوة للثورة، عن طريق إعادة تنظيم صفوفها والعودة لتحقيق الانتصارات والتقدم على النظام.
الحل هو بالبحث عن داعم دولي حقيقي على الأرض، فمثلما يستقوي الأكراد اليوم بالأمريكان، يجب على المعارضة أن تجد من يدعم الثورة وليس يدعمها هي.. وقد سبق وطالبنا بالتوجه إلى دول أوروبا الغربية وبالذات فرنسا، وأن تقيم جسورا من علاقات المصالح معها.
الحل هو بالعمل جديا على تفتيت الكتائب والجيوش التي تحمل رايات دينية، وتحويلها إلى جيش وطني يكون بديلا حقيقيا على الأرض ولا يستعبد الناس ويذلهم في معتقداتهم.
الحل هو أن نقتنع بالفعل أن الحل لم يعد سوريا بل أصبح دوليا بحتا، وأن أمريكا ليست من الدول التي يعول عليها حتى لو أسقطت النظام.
والحل يمكن أن يكون كذلك بالتحالف مع الأكراد وفق أجندة وطنية واضحة ترفض التقسيم ويكون هدفها إسقاط النظام أولا ومن ثم محاربة تنظيم "الدولة"، وليس العكس.
وأخيرا، الحل هو بتشكيل جسم سياسي معارض يجمع الكل ويستبعد كل الشخصيات المستهلكة سياسيا وإعلاميا، وأن يكون هذا الجسم في سوريا وليس خارجها ويقود عملية المقاومة ضد الأسد وكل التنظيمات الإرهابية المساندة له.
قد يرى البعض أن التصور السابق للحل سوف يستغرق زمنا طويلا، لكننا نقول لهم إن الثورة السورية مستمرة منذ ما يزيد على ست سنوات وسوف تبقى مستمرة إلى أن تحقق أهدافها .. وهو زمن لا يعلمه إلا الله..!!
* من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية