أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الحيوان عندما يردّ.. عبد السلام حاج بكري*

أرشيف

لقد سبقه والده بالردّ على اللطم الذي تلقاه على وجهه وقفاه من العدو "اللدود" إسرائيل، وكان ردّا مدويّا، استرجع الجولان، دمّر "ديمونة" وأفقد الخصم عصا التهديد النووي، ليس هذا وحسب، بل حصّن الوطن من أي خطر، وعزّز ابنه التحصين، والنظر إلى سماء سورية وخارطتها يؤكد ذلك.

بدأ تحصين الأسد الأب للوطن بتصفية كل "العملاء" الذين ساندوه في الوصول إلى الحكم، ثمّ بتصفية كل الضباط القادة الذين قاتلوا بشرف في حرب تشرين، لأنهم رفضوا تسليم المواقع لإسرائيل مقابل اتفاق مُعَدٍّ سلفا بتتويج الأسد بطلا على أنقاض القنيطرة.

تخلّص حافظ الأسد ممن تبقى من خصومه من الضباط الشرفاء بفرصة منحتها له إسرائيل لتجعل منه بطلا بالصيغة الجديدة "الصمود والتصدّي"، وذلك باجتياحها بيروت وكان يدّعي حمايتها، فزجّهم بمعركة جوية بطائرات شبه ورقية بمواجهة الـ(F16) في سماء لبنان مطلع الثمانينات، فقتل منهم أكثر من مئة.

هذه مدرسة الأسد في الردّ، يتخلّص من السوريين الحقيقيين، ويوظّف الطائفيين والمطيعين لتثبيت حصونه. 

على مدى السنوات الثلاثين من حكمه لم يردّ "البطل" على عشرات عمليات القصف الإسرائيلية التي استهدفت أي سلاح كانت ترى أنه قد يسبب خطرا عليها إن وصل إلى أيد سوريّة شريفة لا يستطيع الأسد بترها، وكانت هذه مهمته. 

كان بطلا عربيّا رفع راية العروبة في كل المحافل، فدعم إيران في حربها على العراق، وزوّدها بسلاح لتدمير العراق، وإسقاط صدام حسين (الذي ينافسه ديكتاتوريةٌ) لأنه لم يستطع الضرب عليه أسوة ببقية الطبول العربية. 

رغم شهادة العالم للرئيس الأب بالدهاء والفطنة، لا سيما في موضوع الردّ على الاعتداءات الإسرائيلية، إلا أن بطولات الابن في هذا الجانب فاقت بشكل كبير ما فعله الوالد.

لقد ردّ بطل الصيغة الأحدث من "المقاومة والممانعة" على الاختراقات الإسرائيلية شبه اليومية، والتي قصفت مواقع لا تبعد عن قصره مئات الأمتار، بقتل واعتقال وتهجير ما يزيد عن نصف الشعب السوري، وتدمير ثلث مساكن سورية ونصف بنيتها التحتيّة، وتعطيل مواردها وتهديد مستقبلها.

من ردود الأب، والابن من بعده، يتبيّن أن وجودهما في السلطة مرتبط عضويا بالعلاقة مع إسرائيل، كانت على الدوام المنقذ من كل أزمة، وكانت تعطيهما فرصة الظهور كأبطال حتى وقت قريب، لعلّها تسدد دينا استلفته بتسلّمها الجولان من الأب دون حرب عام 1967 وانسحابه لها من 17 قرية إضافية في "حرب تشرين التحريرية" عام 1973.

يبدو أن "الحيوان" لا يرضى بالضّيم، وها هو يرد بعنف غير مسبوق على القصف الإسرائيلي لمطار دمشق، فيستهدف المشافي والنقاط الطبية في إدلب وحماة، مستخدما الارتجاجي والعنقودي والنابالم والبراميل.

وللإنصاف، الرجل كان شجاعا إلى درجة كبيرة، حيث وجّه باتجاه الجولان طائرة دون طيار، من ذلك النوع الذي يستخدمه الناشطون المبتدئون في التصوير، يصل سعرها إلى 100 دولار، وهو يدرك أنه لو أرسل تلك التي يبلغ سعرها 150 دولارا لدخل الصاروخ الإسرائيلي إلى غرفة نومه، وقد طُويت صفحته، بعدما أنهى المهمة المكلّف بها بانتظار ترتيب ما بعده.

إن الحيوان، أي حيوان يحبس في غرفة دون مخرج سيخرمش عندما تتاح له الفرصة كمحاولة لدفع الموت، وليس غريبا على "الحيوان"، هذه المرّة، أن يحاول الخرمشة قبل لفظ أنفاسه، لكنه لا يملك أظافر حادة تستطيع التأثير في الجسد الإسرائيلي المحصّن بالسلاح الرادع.

* من كتاب "زمان الوصل"
(127)    هل أعجبتك المقالة (128)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي