من الاتحاد السوفييتي إلى نظيره النسائي.. فؤاد عبد العزيز*

أرشيف

على الرغم من أن الكثيرين حاولوا التقليل من قرار بشار الأسد بحل الاتحاد العام النسائي، إلا أنني أرى أن انهياره لا يقل أهمية عن انهيار الاتحاد السوفييتي ذاته، والسبب بسيط، أن أي تآكل في دولة البعث الأسدية، مهما كان صغيرا، سوف نباركه ونستبشر به خيرا، وأرى كذلك، أن الهدم لن يتوقف عند الاتحاد النسائي، بل سيستمر ليشمل كل الاتحادات بما في ذلك مؤسسة الحزب ذاتها، التي شهدت قبل أيام تغيير ست من قياداتها القطرية دفعة واحدة وبدون أن يكون هناك مؤتمر قطري، ولا هم يحزنون، وهو يدل أيضا على أن النظام بدأ يحرث حديقته الخلفية، وتغيير نوع "الحيوانات" الموجودة فيها، من أليفة إلى حشرات..!!

كنت قد كتبت قبل هذه المرة، أنني أكره الاتحادات كلها، بدءا من الاتحاد السوفييتي وانتهاء بشركة الاتحاد الدولي للنقل البري التي كان مقرها في كراجات البرامكة بدمشق، وذلك بسبب طبيعة المرحلة التي تفتح وعينا عليها، وهي بين منتصف الثمانينيات من القرن الماضي وحتى موت حافظ أسد في العام 2000، وهي فترة استخدم فيها حافظ الأسد الاتحادات، بكافة أشكالها من طلائع وشبيبة وعمال وفلاحين وحرفيين وصحفيين، كي يغرز مخالبه في المجتمع، ويحوله إلى خراف، ومن ثم تفتيته على أسس عشائرية وعرقية وطائفية، وكان أبطال هذه المرحلة، وجلهم من "العلاكين"، كانوا يقرضون الشعر السيء والرديء في مدح حافظ أسد ويصفقون له بحرارة دون أن يفهموا أو يستوعبوا ما يقوله، لدرجة أنهم في أحد المرات صفقوا له وهو يقول كلمة إسرائيل، وكان ذلك على الهواء مباشرة على التلفزيون، والمفارقة أن ذلك لم يكن يزعجه، بل على العكس كان يبتسم بخبث، مطمئنا إلى أنه أصبح بالفعل قائد الخراف. 

أما الضربة التي قصمت ظهر حافظ أسد، فكان انهيار الاتحاد السوفييتي نهاية العام 1991، إذ نقل الكثيرون عنه أن كلمة اتحاد بدأت تثير في نفسه القرف، وجرى في حينها حديث عن رغبة الرئيس بتحويل الاتحادات إلى وزارات، مثل وزارة الشباب والرياضة والمرأة والطفل وغيرها، وقد بلغ قادة الاتحادات يومها رغبة الرئيس بالأمر، فقاموا بتشكيل وفود والتقوا حافظ الأسد من أجل أن يبقي عليهم، وكان لهم ما أرادوا، وردوا له الجميل بزيادة الولاء والانبطاح، إذ تميزت الفترة من العام 1992 وحتى العام 1997 بنشاط زائد لتلك الاتحادات وخصوصا في المسيرات المليونية، غير أن العالم كله تغير بعد تلك الفترة، وبدأت القنوات الفضائية تغزو البيوت، فلم يعد أحد مضطرا لسماع ترهات ونشاطات سعيد حمادي رئيس اتحاد شبيبة الثورة آنذاك أو مصطفى العايد رئيس اتحاد الفلاحين الذي لم يكن قادرا على تركيب جملة مفيدة، لهذا يرى كثيرون أن نشاط الاتحادات في "خورفة" الناس، توقف فعليا في العام 1999، وأصبح منتسبو وقادة تلك الاتحادات مثار سخرية الناس والحكومة على حد سواء. 

أما عندما ورث بشار السلطة عن والده، فقد أبقى على تلك الاتحادات كديكور لدولة البعث، لكنها على أرض الواقع لم تكن تقوم بأي دور يذكر، حتى صلاحياتها الخطابية تم سحبها، إلى أن بدأت الثورة السورية في العام 2011، يومها شعر النظام أنه أخطأ في التقليل من شأن تلك الاتحادات ودورها، وحاول بشار في حركة ارتدادية أن يجرب الاستعانة بها لتهدئة الشعب الثائر، إلا أن القطيعة الزمنية كانت كبيرة، والجيل الذي قام بالثورة هو الجيل الذي لم يتعرض لخطاب تلك الاتحادات أو يقع تحت تأثيرها، وهو بالأساس كان خارج سلطتها. 

لذلك قد لا يعتبر البعض أن قرار حل الاتحاد النسائي بأنه حدث ذو قيمة أو أهمية، لأنه على أرض الواقع، كان بحكم غير الموجود شأنه شأن باقي الاتحادات الرديفة للحزب، لكننا مسرورون بكل ضربة فأس تنال من دولة البعث وهيكليتها العفنة، حتى لو كان الضارب هو النظام ذاته، فهو لم يهدم بيته إلا لأنه اضطر لذلك، وكما هو معروف فإن أول ضربة تكون صغيرة لأنها الأصعب، ثم لا تلبث أن تكبر إلى أن تهدم البيت كله.

*من كتاب "زمان الوصل"
(243)    هل أعجبتك المقالة (238)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي