أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ديمقراطية معالجة الإيدز بالكفتة.. حسين الزعبي*

أنصار حزب "العدالة والتنمية" في أنقرة - جيتي

انتهى الاستفتاء على التعديلات الدستورية في تركيا بهدوء دون أن تسجل حوادث ومشادات تستحق الذكر، وذلك رغم حالة الاستقطاب الحاد والتحشيد الذي مارسته الأحزاب السياسية، وهذا جزء من اللعبة الديمقراطية المشروعة، وكذلك رغم الآلة الإعلامية العالمية التي تبنت موقفا منحازاً مدفوعاً برغبات سياسية دولية لم تخف تأييدها المطلق لرفض التعديلات الدستورية.

وبدا الأمر واضحاً من خلال الأزمة السياسية بين تركيا وهولندا وما رافقها من تصريحات لمسؤولين أوربيين كثر.

التعاطي السلس من قبل الشعب التركي واحترام النتائج التي أفرزتها صناديق الاقتراع رغم الفارق البسيط بين الـ"نعم" والـ"لا"، وعدم الانجرار لحالات تحريضية من هنا وهناك، إنما تؤشر أولاً إلى وعي شعبي سبق وأن أثبت حضوره عندما قاوم الانقلاب، مثلما تؤكد كذلك أن قوة القانون باتت حاضرة في تركيا وتترسخ يوما بعد يوم، وفي طريقها لتصبح فوق قوة السياسة نفسها.

ولعل من المفارقات أن يتعاطى الشعب التركي الذي سيكون المعني الأول بما ستؤول إليه الأوضاع سلبا أم إيجابا بعد الانتقال إلى النظام الرئاسي، باحترام وبتسليم لسياقات العملية الديمقراطية بينما يتجاهل هذه المسألة من يصنفون أنفسهم في خانة "أرباب الديمقراطية"، وهنا أشير إلى المثال الأشهر وهو القبول بانسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوروبي رغم الفارق البسيط بين من أيد ومن عارض، وفي الوقت نفسه الاعتداد بالفارق بين المؤيدين والمعارضين للتعديلات الدستورية واعتباره مؤشراً غير ديمقراطي ولا يمثل رغبة الشعب التركي!.

إذا كانت الاصوات الأوروبية المنتقدة للاستفتاء التركي تشكل مفارقة فإن من الطبيعي، بل والطبيعي جدا، أن نجد من العرب من يحاول الإساءة للتجربة التركية، ومصدر "الطبيعية" في الأمر أن من أيد محاولة الانقلاب في تركيا هو من شكك بنزاهة الاستفتاء بطريقة فجة لم تذهب إليها حتى الأحزاب التركية التي خسرت الاستفتاء.

من المستوعب والمفهوم أن نجد عرباً ممن يصنفون أنفسهم قادة رأي يعارضون فكرة التعديلات الدستورية ويقدمون رؤاهم في ذلك، لكن ليس مفهومهاً ولا مستوعباً بل ولا مقبولاً التبني الكامل لفكرة التشكيك بالاستفتاء والبحث عن الدس هنا وهناك.

صحيح أن أحداً من الشعب التركي لم يسمع بأسمائهم ولم يشاهد فضائياتهم، لكنهم في طروحاتهم ومحاربتهم لتجربة ديمقراطية مازالت وليدة، إنما يحاربون إمكانية تأثر الشعب العربي بأنموذج ديمقراطي هو الأقرب لهم جغرافيا وتاريخيا وعقائديا، وهنا لا أصادر قراءة أو رأي في طبيعة التعديلات الدستورية نفسها فلكل رأيه، ولكن أن تطلق الاتهامات بالتزوير وتسعى لضرب وتشويه حالة ديمقراطية قبل بها الشعب التركي نفسه فهو الخداع بعينه، خداع لن يطال الشعب التركي ولن يتأثر به، وربما لن يسمع به، بل خداع لشعب أوصله سفهاء الإعلام وشيوخ الكهوف للاقتناع بأن الديمقراطية كفر وأن الإيدز يعالج بالكفتة.

*من كتاب "زمان الوصل"
(199)    هل أعجبتك المقالة (168)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي