"الحيوان" و"الاستعمار".. فؤاد عبد العزيز*

ما كنت أرغب أن يتزامن مقالي الأسبوعي مع ذكرى جلاء المستعمر الفرنسي عن سوريا في 17 نيسان من عام 1946، فهو حدث كنا نتفاعل معه في السابق ونصدق أننا تحررنا بالفعل من الاستعمار، أما الآن، فأعتقد، أن أغلبنا لم يعد يعني له هذا التاريخ شيئا، بل على العكس صرنا نترحم على أيام الاستعمار مقابل ما فعله بنا هذا "الحيوان".
الشيء الوحيد الذي يجعلنا، ربما، نستنكر الاستعمار اليوم، أنه لولاه لما وصل هذا "الحيوان" وقبله والده إلى السلطة، وأظن أن ذلك كافٍ لكي يجعلنا نشتم الاستعمار كل يوم وليس يوما واحدا في العام..!!
في الحقيقة، يحار المرء ماذا يقول وماذا يكتب حول هذه القضية، وأخشى إن تعمقت أكثر في الشرح أن يتهمني البعض بمعاداة العلوية، وهي تهمة على وشك أن تصبح شبيهة بتهمة معاداة السامية عند اليهود، لكن دعوني أوجز القول، بأن حالنا اليوم يشبه حال من اكتشف أن أباه لم يكن أباه، وأن أباه الذي لم يكن أباه، كان يربيه من أجل أن يفترسه، أما الحقيقة المرة، فهي أنه اكتشف كل ذلك بعد أكثر من أربعين عاما!!
لذلك، لا أستطيع أن أترحم على أيام الاستعمار، كما يفعل البعض كردة فعل على الأوضاع الحالية، بل أنا اليوم أكثر يقينا بأن الاستعمار، لولا أنه كان شيئا قذرا، لما أخرج لنا هذه القمامة التي تحكمنا، ولعل ذلك فحوى مسرحية "الزنوج" للفرنسي "جان جينيه" التي فضح فيها ممارسات الاستعمار، عبر إيهامه للشعوب بأنه منحهم الاستقلال وخرج من ديارهم، لكنه من جهة أخرى زرع فيهم أدواته وثقافته التي تخدم مصالحه أطول فترة ممكنة.
وبناء عليه، لا أصدق اليوم الضغوط التي يمارسها الغرب على نظام الأسد، ويدعون فيها أنهم يريدون إزالته، فبشار بالنسبة لهم منفذ جيد لكل سياساتهم التي وضعوا لها الخطط قبل عقود، ومن يراجع ما كتبه السياسي اللبناني "ريمون إده" قبل أكثر من ثلاثين عاما يدرك حقيقة ما يجري اليوم في سوريا.
فهو الوحيد الذي كشف في مطلع الثمانينات بأنه اطلع من الأمريكان على مشروع لتقسيم المنطقة لدويلات دينية وطائفية، وحذر كثيرا من الخرائط التي شاهدها في مبنى "بنتاغون" في تلك الفترة عندما تفاجأ بأن لبنان غير موجود على خريطة المنطقة من الأساس!! ومن يعود بذاكرته لعام 2000 لدى وفاة حافظ أسد واجتماع مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية بشكل منفرد مع بشار، بينما كان جثمان والده لازال مسجى في القصر، يعلم حقيقة لماذا لم يرد بشار على وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب له بالحيوان، كل ما في الأمر أن الأمريكيين أصحاب فضل عليه، من رأسه حتى أخمص قدميه.
لذلك، أختم بالقول، إنني من غير المتفائلين بالضغوط الغربية على الأسد ونظامه، ولا أرى نهاية وشيكة له بفعل هذه الضغوط، وكل من يرى غير ذلك، فإنما يخدع نفسه وجمهوره.
كل ما في الأمر أن بشار تتنازعه اليوم قوتان ونظريتان، الأولى نظرية الفوضى الخلاقة كما تريدها أمريكا، وهو ينفذها بكل إخلاص، أما النظرية الثانية فهي مشروع التقسيم الذي تريده إسرائيل وتنفذه روسيا، لكن هناك خلاف مع الأمريكان والبريطانيين بشأنه.
أما موقع بشار من كل هذه العملية، فهو يشبه حال العاهرة التي يتصارع على باب بيتها الفحول، بينما هو يصرخ من الداخل راجيا منهم بأن يحترموا الدور.
فتبا لهكذا رئيس وتبا للاستعمار الذي صنعه.
* من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية