شيئا فشيئا تتضح معالم سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة في سورية، إضافة لموقفها من الدول الفاعلة والمؤثرة فيها.
أمريكا لن تترك الساحة السورية بعد كيماوي النظام في خان ىشيخون لروسيا، وكانت قبل ذلك أعلنت وجودها في الشمال، أما أوضح المواقف، فكان ما أعلنه ترامب منذ بداية حملته الانتخابية عن نيته إنهاء الوجود الإيراني والميليشياتي.
أكبر فارق أحدثه ترامب كان موقفه الذي تبدل سريعا من الأسد، فبعد أن اعتبرته إدارته "أمرا واقعا" و"ويحارب الإرهاب بشكل جيد" دون الإشارة إلى دوره المستقبلي في سورية، بات اليوم عدو صريح للإنسانية بعد مجزرة خان شيخون.
التحوّل الكبير تمثل بداية في الإعلان الصريح عن تحميل الأسد مسؤولية استخدام الكيماوي وتكذيب كل ادعاءاته وفريقه الببغاوي عن فبركات القاعدة للحادثة واتهامه لها بالوقوف وراءها.
ترجم ترامب أقواله أفعالا فورية قلبت معطيات الساحة رأسا على عقب، التوماهوك ضرب مطار الشعيرات الذي انطلقت منه الطائرة التي قصفت خان شيخون بغاز السارين، وبات الأسد "مجرم حرب" و"جزّارا يجب محاسبته" و"غير شرعي" وصولا إلى تخفيف كل تلك التهم المثبتة من وجهة النظر الأمريكية حين وصفه رئيس أمريكا بأنه "حيوان".
ما قصده ترامب بوصف بشار بالحيوان هو المفترس والغبي، ولكن ما يريده السوريون أن لا يتقدم خطوة إضافية ويصفه بالمجنون كمقدمة لإعفائه من الملاحقة القانونية لانعدام أهليتيه.
أخيرا انتشى السوريون المقهورون منذ ست سنوات بموقف قويّ، علنيّ، واضح، يصعب التراجع عنه بعد كل ذلك التصعيد، ورغم هذه النشوة يدرك هؤلاء أن إسقاط بشار "الحيوان" لن يكون بالضرورة عسكريا، وسيكون كل هذا الصراخ تمهيدا لحل سياسي محتوم بوقت قصير، ولكنه إن لم يحصل ستعود فكرة إسقاطه عسكريا إلى الصدارة.
تفاهم الأمريكان مع الروس على حفظ مصالح البلدين في سورية بعد لقاء وزيري خارجيتي البلدين في موسكو، وما الفيتو الروسي في مجلس الأمن على مشروع القرار الغربي إلا لحفظ ماء وجه الروس قبل التسليم بحلّ في سوريا لم تكن تقلبه سابقا، يتضمن التنازل عن "الحيوان".
ما هو غير معلوم حتى اللحظة ما إذا كان ترامب سيستهدف "الحيوان" الأسد مفردا أم سيشمل بغضبته غابة فروع الأمن والجيش الطائفي، وقادة هذه الأجهزة والذين هم مجموعة من الذئاب والضباع والثعالب والأفاعي كل حسب حجمه ومكانته، وشاركوا سيد الغابة جرائمه.
شمل التفاهم أيضا محاربة الإرهاب المتمثل في القاعدة وتنظيم الدولة، واشتركا في عدم الرضا عن الوجود العسكري لإيران في سوريا عبر الميليشيات، وقد تكون إرادة أمريكا في التخلص من هذا النفوذ أكبر من نظيرتها لدى روسيا، ليبقى هذا الجانب رهنا بالمستجدات العاجلة غير الآجلة.
ويبقى أيضا الباب مفتوحا على احتمالات الاستهداف العسكري لهذه الميليشيات الإيرانية والعراقية واللبنانية الشيعية التي تقاتل إلى جانب النظام، أو الضغط عليها دوليا ولا سيما عبر حليفها المعلن روسيا من أجل الانسحاب بهدوء، وهذا ما تفضّله أمريكا التي لن تتخلى كليّا في يوم وليلة عن نهجها بعدم التدخل عسكريا، رغم عودتها لاستخدامه كعصا تلوح بها في أكثر من مناسبة.
خلاصة القول، إن كل التحرك الأمريكي وإن صبّ في خانة وقف شلال الدم في سورية فإنه يسعى لإرضاء الرأس الأمريكي المتعجرف الذي لا يقبل بدور ثانوي في أي حدث في أي مكان، بحيث يجب أن توظّف كل الأحداث لمصلحته، وها هو يسير بالحل إلى نهايته على الطريقة التي يريدها بعد سنوات طويلة من الفرجة على اللاعبين.
*عبد السلام حاج بكري - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية