في الوقت الذي كان فيه الكثير من المسؤولين الاقتصاديين يرون أن قطاعنا المصرفي في منأى عن تأثيرات وتداعيات الأزمة المالية العالمية، كانت بعض المعطيات تقول عكس ذلك تماماً..
هذه المعطيات ظهر بعضها على شكل شائعات انتشرت بشكل واسع ولم تجد من يتصدى لمعالجتها تبعاً لمدى مصداقيتها وبعضها الآخر تبلور من خلال تصريحات لبعض المسؤولين الاقتصاديين ومعلومات صادرة عن المؤسسات المصرفية ذاتها..
نبدأ بقصة الشائعات التي كان فحواها يتركز حول توجه العديد من المودعين في محافظة حلب منذ فترة قريبة لسحب إيداعاتهم من أحد فروع مصرف خاص ومع أن المعلومات التي أكدتها مصادر مصرفية مختلفة لـ «تشرين» تؤكد صحة هذه الأنباء إلا أن ما يطمئن في الأمر أن المصرف استطاع مواجهة الأمر ومنح كل شخص يرغب بسحب إيداعاته حقوقه المالية كاملة لكن رغم ذلك لم يصدر أي بيان عن هذا المصرف يؤكد صحة هذه المعلومات أو ينفيها، وأهمية هذه البيان لا تأتي فقط من الالتزام بمبدأ الشفافية الذي يجب أن يعمل به بل أيضاً من منطلق أن تأكيد الخبر يعزز الثقة أكبر بهذا المصرف الذي يتميز بملاءة مالية جيدة جعلته يلبي رغبات جميع متعامليه والأهم أنها ستكون فرصة لتوضيح وتفنيد المخاوف التي دفعت المتعاملين لسحب ودائعهم.. وإذا كان البيان فحواه نفي الخبر باعتباره شائعة فهذه ستكون فرصة لبث رسالة اطمئنان لمتعاملي المصرف وللقطاع المصرفي ككل فالشائعة تفعل أكثر مما تفعله عدة قرارات في آن واحد إنما ما حدث أننا لم نسمع حساً ولا خبراً، وكأن الشائعة لا تعنينا بل تعني مصرفاً في دولة مجاورة!!
أما الشق الثاني من المعطيات التي تقدم رؤية موثقة لعكس تصريحات بعض المسؤولين الاقتصاديين فنقدم فيه معلومتين هامتين جداً..
المعلومة الأولى التي تضمنتها النتائج المالية لمصرف خاص كما هي لغاية 30 أيلول الماضي، وإذا كنت هنا أغفل ذكر اسم المصرف الذي يعتبر الوحيد الذي يصدر بيانات ربعية ممارساً بذلك أرقى أشكال الشفافية فذلك لاعتبار أنني في هذه المادة أناقش فكرة عامة وليس معلومة محددة متعلقة بهذا المصرف أو ذاك، هذه المعلومة تشير إلى أن المصرف المذكور خصص ما يقارب من 197.5 مليون ليرة سورية كمؤونة لتدني قيمة الاستثمارات في الأدوات المالية فيما لم يسجل المصرف أي مؤونة في هذا البند خلال ذات الفترة من العام الماضي، وكما هو معلوم فإن صرف هذه المؤونة يعد خسارة وإن لم تصرف تعاد للأرباح وطالما أن النتائج المنشورة سجلت عبارة ناقص بجانب هذه المؤونة فهذا يعني أن المصرف صرف المؤونة وهي بالتالي خسارة، ومع أن المصرف ظل رابحاً حيث حقق أرباحاً خلال هذه الفترة قدرت بنحو 241 مليون ليرة إلا أن ما خسره جراء تدني قيمة الاستثمارات في الأدوات المالية كان يمكن أن تكون في خانة الأرباح لولا تأثيرات الأزمة المالية العالمية..
وبذلك فإن صدور البيانات المالية للمؤسسات المصرفية نهاية العام ستكون الفيصل في بيان حجم تأثر القطاع المصرفي وعندئذ ستكون مقارنة ما جاء من تصريحات مع النتائج المالية المدققة أشمل وأكثر دقة..
أما المعلومة الثانية فتتلخص بما قاله الدكتور محمد العمادي رئيس مجلس مفوضي هيئة الأوراق والأسواق المالية في محاضرة له في إحدى الجامعات الخاصة منذ عدة أيام، حيث أكد أن أحد المصارف الخاصة خسر جراء تداعيات الأزمة المالية ما يقارب من 6 ملايين دولار..
ثمة أوجه جديرة بالاهتمام لتأثر المصارف السورية بالأزمة العالمية مع الأخذ بعين الاعتبار أن التأثر كان يمكن أن يكون متشعباً وكبيراً فيما لو كانت طبيعة العمل والاستثمار المصرفي في بلدنا مختلفة عن القائم حالياً، وأحد هذه الأوجه هو أن المصارف الخاصة التقليدية لديها ودائع بالعملة الأجنبية تصل قيمتها بالعملة السورية لنحو 108.696 مليارات ليرة تبعاً للميزانية الموحدة للمصارف التقليدية الصادرة بموجب بيانات المصرف المركزي لغاية 31/7/2008 وعلى اعتبار أن المصارف كانت سابقاً غير مسموح لها الإقراض بالعملة الأجنبية، فاستثمارها كان يتم خارجياً هذا فضلاً عن أن البيانات ذاتها تكشف عن وجود ما قيمته 101.903 مليار ليرة كأرصدة أجنبية لدى المراسلين في الخارج.. فهل هذه الاستثمارات والأرصدة بمعزل عن تأثيرات الأزمة العالمية؟!
إذا كانت إجراءات الرقابة على المصارف قد حافظت على استقرار عملها واستثماراتها وشفافية أداء كل منها فهذا لا يعني أنها لم تتأثر بما يحدث عالمياً، فهذا شيء والتأثر شيء أخر تماماً، فهي ليست بمعزل عن التعاملات المصرفية الدولية والاستثمارات الخارجية.. وللحديث بقية!
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية