تناقل بعض الناشطين اليوم خبر دخول قوات برية أردنية برفقة قوات أمريكية، إلى المنطقة الجنوبية في درعا، وذلك بهدف ضرب أحد مواقع تنظيم "الدولة الإسلامية". وهي ليست المرة الأولى التي يتم فيها الترويج لمثل هذه الأخبار، فقد سبق لأحد المواقع الثورية السورية ذائعة الانتشار و المقربة من الأردن، أن طرح خبرا للتداول قبل أكثر من شهر، عندما أعلن عن تشكيل ما يسمى قوات "درع اليرموك" بإشراف أردني، وعلى غرار قوات "درع الفرات" في الشمال، وذلك بهدف محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" كذلك.
اللافت في مثل هذه الأخبار أنها تنقل بدون مصادر، وهو ما يعني أنها مصنعة في أحد أجهزة المخابرات، ويقصد منها سبر المواقف والآراء وتهيئة الناس لأمر ما..!!
لم يعد يخفى على أحد، أن الكل بدأ يستخدم محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"، لكي يبرر تدخله في الأرض السورية، ويحقق أطماعه على هذه الأرض، لكن آخر ما يخطر على بالنا، أن يكون الأردن أحد أولئك الطامعين.
وهذا ليس انتقاصا من شهوات الأردن التوسعية لحل أزمة المياه في بلده، وإنما لأن السياسة الأردنية عودتنا على الدوام أنها لا تنطق عن الهوى، وإنما هناك أياد خارجية معروفة هي من تحرك شهواتها، أو تستخدمها لأهداف أخرى أكثر استراتيجية، مقابل الحصول على المزيد من الاطمئنان والاستقرار الداخلي، لكن أن يروج الأردن لتدخل مباشر لقواته على الأرض السورية أكثر من مرة، وإن كان برفقة القوات الأمريكية، فهي لازمة للتخفيف من قسوة الخبر ومباشرته، وذلك يعني أن الموضوع لم يعد مزحة، وإنما هناك رائحة طبخة غير شهية يجري الإعداد لها في أوسخ المطابخ العالمية..!!
أدرك تماما خطورة ما أطرحه وأتحدث به، لكن اليوم، لم يعد مؤذيا كشف الأوراق على الملأ، ولنكن واضحين ونقولها صراحة، إن الأردن بالفعل لديها أطماع في الأرض السورية.
وهذه الأطماع لا تعود إلى فترة الثورة السورية، وإنما إلى فترة قديمة، وكانت الأردن قد أعلنتها أكثر من مرة وخلال اجتماعات اللجان الوزارية العليا المشتركة، أن المنطقة الحدودية مع سوريا بطول 90 كيلو مترا وبعمق 5 كيلو متر هي تابعة لها جغرافيا وسكانيا، وكما معروف أن هذا العمق كاف لكي يستطيع الأردن حل أزمة المياه في بلده وإلى فترة طويلة.
لكن الجديد بعد الثورة السورية، أن الأردن لم يعد يتطلع إلى عمق 5 كيلو متر وبطول 90 كيلو مترا على الحدود، بل أصبح الأفق مفتوحا، وهناك اليوم حديث مخفي، عن منطقة تصل، في فترات النشوة والرخاء، إلى حدود الصنمين، وأحيانا الكسوة..!! وكل ذلك للأسف يروج له بأيدٍ سورية يدعون نسبتهم للثورة..!!
وإذا ما انتقلنا شمالا، نجد أن الأتراك لديهم نفس الشهوات، وهم يتحدثون عن مناطق تابعة لهم جغرافيا وسكانيا كذلك، والعراق أيضا، ليس أقل شأنا من الآخرين، فهو الآخر يتطلع إلى المناطق الحدودية مع سوريا على أنها تابعة له جغرافيا وعشائريا. لكن الأخطر من كل ذلك هو الوجود الروسي والأمريكي في سوريا، فهي دول تمتلك سكاكين التقسيم وهي التي يعول عليها الطامعون بأن تمنحهم الحصة التي يريدونها من الأرض السورية.
كثيرون اليوم، يتطلعون إلى الوجود الروسي والأمريكي على الأرض السورية على أنه تكرار لمشهد سايكس بيكو، ولا يغرنك الاختلاف بين الأمريكان والروس، فقبلهم الإنكليز والفرنسيون كانوا أشد اختلافا عندما قسموا المنطقة.
فكلاهما الروس والأمريكان، عندهم عقيدة التقسيم متأصلة في ثقافتهم السياسية، ولهم سوابق تقشعر لها الأبدان، سيما وأن المصلحة العليا لكلا البلدين، هي حماية أمن إسرائيل، مع تحقيق مواقع استراتيجية متقدمة قريبة من أماكن تواجد النفط والغاز في المنطقة.
يبقى الأمر المثير للتساؤل هو دور اللاعبين بالدرجة الثانية في الأزمة السورية، من إيرانيين وأتراك.. فهاتان الدولتان كل منهما له مصالح استراتيجية مختلفة عن الأخرى، إيران تريد أن تصل حدود الدولة الشيعية على أبواب الحجاز، بينما تركيا، فحلمها اقتصادي استراتيجي، بفضل موقعها كممر مستقبلي لخط الغاز القادم من كازخستان، ووقوعها بالأساس على خط غاز شديد الأهمية، كان مخططا له أن ينضم من إلى قطر إلى خط الغاز العربي القادم من مصر حتى الأراض السورية، وصولا إلى تركيا، فإذا ما استطاعت تركيا أن تنفذ هذين الخطين مستقبلا، فهذا سوف يمنحها موقعا متحكما في السياسة الأوروبية برمتها، لذلك يعمل الأتراك مع الطرف الذي يعتقدون أنه قد يصل بهم إلى هذا الطموح، وهو الطرف الروسي المنزعج من الأوروبيين.
مما سبق نلاحظ أن الوضع في سوريا، يتم تهيئته بالكامل نحو التقسيم، بل وكأن الأزمة السورية برمتها تتجه نحو أن يتحول مشروع التقسيم إلى مطلب جميع السوريين، من باب "خلصونا".
وقد بدأت بوادر هذه النبرة تعلو شيئا فشيئا وبالذات في أوساط العلويين، كونهم يعتقدون أنهم سيكونون بحماية دولة عظمى هي روسيا، بينما المعارضة فهي الأكثر قلقا من مشروع التقسيم، لأنها حتى الآن تبدو وكأنها عارية من أي حماية من أي دولة، بما فيها الدول التي احتضنتها، فهي تستشعر أن هذه الدول سيكون أول من سيفترسها.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية