أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ما بعد صواريخ ترامب أهم مما قبلها*

مرّر العالم مجزرة "خان شيخون"، مكتفياً بضربة ترامب الصاروخية - جيتي

حركت صواريخ "توماهوك" الترامبية، مياه الحالة السورية الراكدة منذ سنوات، وأعادت سوريا برمتها إلى سوق التكهنات، بعد تنفيذ أول وعيد أمريكي على الأسد الكيماوي، رغم التهويل بعيد مجزرة الغوطة 2013 والتي انتهت بصفقة أمريكية إسرائيلية من جهة، وأسدية بوتينية من جهة أخرى، قضت بتسليم السلاح الكيماوي، أو معظمه، ليكتفي العالم وقتذاك بإطلاق يد المجرم بعد استلام سلاح الجريمة.

بيد أن مجزرة "خان شيخون" هذه المرة، والتي أتت بمثابة أول بالون اختبار كيماوي لإدارة ترامب الجديدة، ووجهت بما لم يتوقعه الجناة، إن بقصر المهاجرين أو بطهران وموسكو، فجاءت الضربة لوكر الكيماوي بمطار "الشعيرات" شرقي حمص وسط سوريا، لتعيد بعض الماء لوجه الولايات المتحدة التي أراقها السابق باراك أوباما، وتضع روسيا أولاً ومن يهمه الأمر ثانياً، بموقع المصفوع، بعد أن قال الرئيس الأمريكي عملياً، نحن هنا وسنعود.

وتنقل -الضربة- بالآن ذاته، جل السوريين من حالة الإحباط لموقع المتفائلين، بعد سلسلة من الخيبات والوعود والخطوط الملوّنة، ليذهب ببعضهم الظن أن واشنطن ستتابع بعصا العقاب للأسد ومن يحميه، رغم وضوح الموقف الأمريكي الذي تلا الضربة، بأنها جاءت رداً على استخدام الكيماوي فقط، ما يعني تحليلياً، أن لا عقاب على القتل بغير الكيماوي، بدليل استمرار الطلعات الجوية ومن مطار "الشعيرات" ذاته أمس السبت، واستمرار حصد السوريين المدنيين، وعبر الطائرات السورية التي قيل إن واشنطن ستمنع تحليقها ما بعد "خان شيخون"، وما 20 قتيلا مساء أمس في "أورم الجوز" بـ"جبل الزاوية" في إدلب، سوى مثال صار يضاف يومياً إلى قائمة الوجع السوري. 

هذا إن فرضنا جدلاً ان الضربة جاءت أصلاً عقاباً على كيماوي الأسد، وليس صفعة للأسد وإيران، على تعقب طائرات إسرائيلية الشهر الفائت، بصواريخ أطلقت من المطار ذاته، كما ذهب بعض المحللين.

قصارى القول: مرّر العالم مجزرة "خان شيخون"، مكتفياً بضربة ترامب الصاروخية التي لاقت تأييداً وفرحاً ومباركة، ليكون السؤال عمّا بعدها وعلى مستويين.

الأول، عقابياً لنظام الأسد المغطى روسياً وبشكل يختلف عمّا سبق، فها هو يعود لسلسلة القتل والقصف ويعود العالم معه للصمت، وكأن لا عقاب وإن شكليا، إلا على قتل السوريين بأسلحة كيماوية، وما عداه، مسموحاً وربما مبارك فيه.

أما السؤال الثاني سياسياً يتعلق بكيفية الاستفادة من الهبة الأمريكية بعد "توماهوك"، وإمكانية استثمارها على الصعد كافة، بما في ذلك تزويد المعارضة بمضادات محمولة بواقع وعيد موسكو بمد الأسد بمضادات جديدة، وعلى نحو يحقق المصالح المتبادلة، بعيداً عن النواح والتشكي والاستعطاف.

نهاية القول: تشير كل المقدمات إلى أن مشوار السوريين مازال طويلاً، إذ مازال للأسد ما يفعله بسوريا وللسوريين ضمن دوره الوظيفي الذي لم ينتهِ بعد، ما يجعل الذهاب لبدائل تضمن الأمل ولو بحدوده الدنيا، إذ من الجهالة التهليل لضربة لم تكتمل، اكتفى العالم المتحضر بها، دونما الوقوف على حقيقة قتل نحو مئة سوري خنقاً دون قطرة دم، في حين تضج إيطاليا والعالم المتحضر معها، على مقتل الباحث "جوليو ريجيني" في مصر، منذ شباط العام الفائت، بل وسيصل خلال أيام نائب ومحققون إيطاليون للقاهرة، لإعادة ملف التحقيق الذي نتج عنه، سحب السفير الإيطالي من القاهرة وتوتر علاقات بين قارة بأكملها، مع مصر.

وهذا ربما الوجع الأكبر والخيانة العظمى، بعد أن حوّل الديكتاتوريون العرب، دم الشعب إلى ماء يراق على صحراء عطشى، فلا يروي ولا ينبت على إثره...ولا يطالب بثأره أحد.

*عدنان عبدالرزاق - من كتاب "زمان الوصل"
(164)    هل أعجبتك المقالة (158)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي