مجزرة الكيماوي في خان شيخون.. الرجل الذي فقد 25 من عائلته منهم زوجته وطفلتاه التوأم.. صواريخ "توماهوك" التي دكّت مطار "الشعيرات".. ردود أفعال الموالين للنظام على المجزرة والضربة الأمريكية، مجموعة أفكار مع غيرها خطرت لي كمحور لزاويتي هذا الأسبوع، لكني اخترت موضوعا آخر..
منذ شهر أو أكثر قليلا، يلحّ عليّ صديق محامٍ في اللاذقية وسيدة صديقة للأسرة، وهما من القلائل الذين ما أزال أتواصل معهم في المدينة بأن أركز على موضوع "شديد الأهمية"، يتمثل في تصعيد ضغط نظام الأسد على "السنّة" في المدينة لدفعهم لمغادرتها، ويرى الصديقان أنها محاولة لإحداث تغيير ديموغرافي على أساس طائفي.
الموضوع ليس جديدا، ولكنهما أضافا عليه بعض المعطيات الجديدة، وتحدثا عن ممارسات وصفاها بالمدروسة تتصاعد بحق "السنّة"، وتتركز تحديدا في الأحياء التي يسكنونها، تحمل إشارات بأنهم لن يكونوا بأمان في المستقبل، ربما القريب.
بانتظار اتضاح معالم ارتفاع وتيرة الضغط التشبيحي على "السنة" دون سواهم من مكونات المدينة، سأروي قصة جرت في المدينة يوم الثلاثاء، أي قبل ثلاثة أيام، قد لا تبتعد عن هذا السياق.
سيارة دفع رباعي سوداء اللون دون لوحات "كالعادة" توقفت على باب مدرسة في حي "المارتقلا"، ترجل منها ثلاثة أشخاص يرتدون السواد ويضعون النظارات السوداء، توجهوا إلى طفل يلعب في الباحة، حملوه ووضعوه عنوة في السيارة، المدرسون تفرجوا عاجزين على المشهد، وكذلك عناصر حاجز أمني قريب، دون اعتراض حتى لو كان ناعما.
مساء اليوم التالي، الأربعاء، وجد "أحمد سالوخة" الطفل اليتيم ذو الـ 13 عاما جثة هامدة، هكذا بكل بساطة.
خلال ساعات توصلت الشرطة إلى معرفة الجناة "على حدّ زعمها" ونسبت الجريمة لمجموعة من المراهقين بينهم أحد أقرباء الضحية، وأرجعت سبب الجريمة للابتزاز المادي.
الحدث طبيعي ومألوف في مدينة تشهد فلتانا أمنيا متصاعدا، حيث سبق ذلك مقتل واختطاف العشرات من أطفال وبنات وغيرهم، ولكن اللافت فيما جرى مع الجريمة الحديثة هو الاهتمام الإعلامي الكبير الذي رافقها، وكأنها أول جريمة، وتمثل حالة شاذة في المجتمع.
الاهتمام تجاوز ما نالته مجزرة الكيماوي رغم سقوط عشرات الأطفال والنساء فيها، ولم تستطع صواريخ "توماهوك" التي ضربت "الشعيرات" سحب موضوع السالوخة من التداول.
وليس عاديا تركيز شبكات إعلام النظام على السواد في السيارة ولباس الشبيحة الخاطفين والقتلة، والإشارة إلى طائفة الطفل المغدور واسم المسجد الذي جرت فيه صلاة الجنازة واسم المقبرة التي ووري فيها الثرى، إن ذلك يدعم ما ذهب إليه المحامي والسيدة.
مقتل طفل بريء يستحق الاهتمام، ولكن ليس عند بشار الأسد ونظامه وأنصاره، وهم المسؤولون عن مقتل عشرات الآلاف من أطفال سورية، لذلك ليس من البراءة في شيء ذلك الاهتمام الإعلامي بجريمة قتل الطفل أحمد سالوخة.
هذا يعيدنا إلى الموضوع الذي أشار إليه صديقانا من اللاذقية، من تخويف "السنّة" في اللاذقية بهدف دفعهم للرحيل عنها، لعلّ فيه من الحقيقة ما يجعله جديرا بالاهتمام والمتابعة، لا سيما أننا نشك بصحوة ضمير مفاجئة لهذا النظام تجعله يأبه لمقتل طفل واحد، وهو الذي قتل في اليوم ذاته أكثر من 25 طفلا في "خان شيخون" بالغاز.
* من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية