من الطبيعي ربما، سياسياً واعلامياً، أن تقرن تركيا كلمة "النجاح" مع خبر إنهاء عملية "درع الفرات"، حتى وإن لم تحقق، بعد سبعة أشهر من إعلانها، ما انطلقت من أجله، إن على صعيد "التطهير" بمستهدفيه المزدوجيّن، إن بتهديم دويلة داعش أو بقطع أحلام "ب ي د " التي تراه أنقرة، امتداداً لـ"بي كا كا" وإبعاده عن حدودها، أو على مستوى عودة السوريين إلى بلادهم، وإن إلى حلم مقزّم اتفق دولياً يوماً ما، على تسميته "منطقة آمنة".
ليكون من الطبيعي أيضاً، دبلوماسياً على الأقل، قول أنقرة، إن قواتها ستنفذ عمليات جديدة، في حال ظهور أي تهديد لأمنها، دونما تردد، وإن كان مفهوم "التهديد لأمنها" مطاطاً بعض الشيء.
وربما من الطبيعي، أن تعود روسيا لورقة الأكراد، فترسل تعزيزات إلى المناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية قرب "عفرين" السورية، بحجة فتح فرع للمركز الروسي المعني بمصالحة الأطراف المتنازعة. على الأقل، حتى تتضح نوايا البيت الأبيض ويتضح الخيط الأسود من الأبيض، بما يتعلق بكذبة تحرير الرقة وحصة روسيا من "خزان سوريا" بعد التلويح ببناء "إنجيلرليك سورية" في عاصمة داعش الحالية.
ليأتي "الطبيعي الأمريكي" ومنذ تسلم ترامب، فضلاً عن الدخول إلى أرض المعركة، تجميد الدعم للفصائل إلى حين توحدها في فصيل واحد أو تشكيل غرفة عمليات مشتركة لتنسيق المعارك مستقبلاً، وهو الطبيعي الذي لاقى ردوداً وربما قبولاً، لطالما كان الأوضح في خططه والأكثر وجعا جراء قطع تمويله.
قصارى القول: بدأ، أو سيبدأ "الجميع" لكسب الرضى والتأييد الأمريكي، فألبست تركيا حلة العمومية على نتائج زيارة وزير الدفاع الأمريكي، وصعّدت روسيا من فتوحاتها الكلامية الإعلامية وزادت من التنسيق والتشاور، لتعلن بالآن عينه، وحدات حماية الشعب الكردية، احتمال خوض قوات كردية وعربية معركة ضد هيئة تحرير الشام في إدلب، وأبقت الباب موارباً، كما رشح، أيضاً عن وحدات حماية الشعب، أن الجيش الذي تؤهله روسيا على مشارف عفرين، قد يقوم بعملية مشتركة للسيطرة على إدلب.
ودائماً، الكلام وربما النوايا، مشروط بما سيؤول إليه التنسيق العسكري الأميركي- الروسي إزاء تحرير الرقة، وإلا ثمة محافظة تسمى إدلب، فيها من مبررات الغزو والتدمير، كل ما يلزم "الجميع" من تبريرات، رغم أن قتل السوريين وتهجيرهم وتهديم بناهم وأحلامهم، لم يعد يحتاج أي تبرير.
نهاية القول: ارتفع سقف التوقعات بتدمير إدلب، بعد النصر المؤزر "الروسي الإيراني" بحلب، وما قيل حينذاك، عن صفقات وتآمر، لتتوقف التوقعات بمجيء ترامب وانتظار القرار الحاسم، قبل أن تنخفض التوقعات بعد الغزل الأمريكي بفصيل أحرار الشام الشهر الفائت، لتعود الاحتمالات وعلى أشدها اليوم، بغزو إدلب، في عملية تسابق أقرب ما تكون لاختبار النوايا حول الرقة واقتسام الجغرافيا وتقسيم كعكة خراب سوريا، مشفوعاً كل ذلك، بما رشح عن إدارة البيت الأبيض، حول" الشعب السوري من يقرر مصيره وإسقاط الأسد ليس ضمن الأولويات".
كل ذلك، أعاد السوريين إلى مرحلة الفراغ، بعد ملامح الأمل التي بنوها على التصريحات، بصرف النظر عن عدم أخذهم العبر من سابقاتها، التي أكدت الأيام، أن هدفها جميعها، للتوريط وتعميق الحالة وتغيير ملامح ثورتهم، ليس إلا.
ليكسو السوريين من جديد، شعور يُضعف القدرة على التفكير والفهم، شعور يجفف القدرة على التعاطف، شعور يفقدهم الثقة بـ "الجميع" سيزيده ولا شك، خسارة ادلب، بصرف النظر عن فائدتهم أصلاً من تحريرها وما فعله بأهليها المحررون.
*من كتاب زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية