أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

المشهد الأخير لسوريا.. عبد السلام حاج بكري*

أرشيف

قد تكون زراعة الأمل واجبا مهنيا وأخلاقيا، ولكن طمس الحقائق يتنافى تماما مع هذا الواجب، ليس في الواقع السوري اليوم ما يجعلنا نرى ضوءا في نهاية النفق، لقد أقفله الروس والطائفيون الإيرانيون وأتباعهم لدى نظام الأسد، وضاعف الأمريكان إقفاله بخطوات تقسيم تبدو أكثر وضوحا من أي وقت مضى، ساعدهم جميعا في ذلك معارضة لا تختلف بنسق عملها عمّا درسته في مدرسة البعث والأسد.

يتم الإعداد للمشهد الختامي للمأساة السورية ببطء شديد، لا أحد مستعجل على الحل، الكل يتروى ويستثمر في الوقت بمحاولة لتحقيق مكاسب أكبر.

جميع الأطراف ستكسب في النهاية بمن فيهم كركوزات المعارضة، إلا الطرف الأكبر الشعب السوري، ومحور السيناريو الخارطة السورية.

انتظر السوريون من الإدارة الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية تحركا ما يوقف دماءهم ويضع حدا لمعاناتهم، لكنهم فوجئوا بأن أولى خطواتها التي تأخرت شهرين اتجهت إلى دعم فكرة التقسيم، الذي لا يعنيها منه سوى وضع يدها على منابع النفط التي تحدثت مصادر متخصصة مؤخرا بأنها لا تنضب من الأعماق السورية.

تقسيم يبدأ بمنح الفصيل الكردي الانفصالي سلطة واسعة في مناطق لم يكن يفكر فيها أصلا، تتبعه إقامة منطقة آمنة في القلمون، إنها أغرب جغرافية يمكن أن يفكر فيها أحد، هي تحمي الوجود الإيراني المتمثل بعناصر حزب الله، وهو تناقض صارخ مع تصريحات "المرشح للرئاسة" ترامب، حول تقليص الوجود الإيراني.

ترامب لم يكن واضحا في موقفه تجاه نظام الأسد، تحدث عن دوره في محاربة الإرهاب، ولكنه في الوقت عينه وعد بتقليص الوجود الإيراني في سورية، وهذا الوعد رفع سقف توقعات السوريين من الرئيس الجديد باعتبار الأسد أهم أذرع إيران في سورية، لكن الإشارات الأخيرة الصادرة من كواليس الإدارة الأمريكية تشير إلى رغبتها بالاشتراك معه في ما يسمى محاربة الإرهاب، وتحدثت عن دور له في المرحلة الانتقالية، وأن التفكير بمستقبله ليس أولوية.

أكثر ما يثير ترامب الاقتصاد والأموال، وقواته التي دخلت وستدخل إلى سورية ستعمل من أجل حماية الشركات الأمريكية التي ستنقب عن النفط وتدير الآبار المنتجة.

روسيا التي دافعت عن الأسد لا تعشق عيونه الزرق، بل هي تريد وجودا عسكريا لها في هذه البقعة ومكاسب اقتصادية، يبدو أنها اتفقت مع الأمريكان على أن يكون الغاز من حصتها وهذا بدوره موجود بكميات أكبر بكثير مما جرى عنه الحديث حتى الآن في الساحل وتدمر.

ولن يكون انسحاب الميليشيات الشيعية التي تعمل بإمرة الولي الفقيه قبل أن تضمن إيران معبرا برّيّا يصلها بمناطق نفوذ تابعها الشيعي حزب الله في القلمون والجنوب اللبناني. 

أما دور تركيا في المشهد فانحصر في منطق نفوذها بشمال سوريا، أقلّه حتى اللحظة، ومن المرجح أن لا يرضى "السلطان" بهذا "الأقله" إذا ما تمكن من تمرير مشروع التعديلات الدستورية، وقد يقلب الطاولة في أكثر من نقطة على الخريطة.

الخصم المشترك للجميع تنظيم "الدولة" لن يخوض معركة شرسة في الرقة، وقد ارتأى أن ينتقل إلى دير الزور، ليعمل الحشد الشعبي برّيّا والتحالف الدولي جويا على تشريده في الصحراء ونشره في دول أخرى حسب الرغبة العالمية.

والكومبارس من فصائل المعارضة المسلحة، ستتولى "القاعدة" إدارته طوعا أو ابتلاعا، حتى نظراؤها في المنهج، على أن تكون إدلب عاصمة الإمارة، وبالتالي هدفا لكل من يدعي محاربة الإرهاب في العالم.

وتكتفي المعارضة بتأدية دور صامت يرضى بحقائب وزارية غير مؤثرة، وانتخابات يفوز بها الفريق الآخر، وانضمام بعض العناصر ممن يتبقى من فصائل الجيش الحر و"جيش الإسلام" وتلك التي تعلن براءتها من التشدد إلى الجيش الذي يقوده نظام الأسد، ولا نقول الأسد، على أن يكون نفوذ هذا الكيان في الساحل وحمص وحماة مع دمشق والجنوب "سوريا المفيدة".

تحضيرات المشهد الختامي تشير إلى هذه المعالم، وقد تطرأ تعديلات عليها، لكنها لن تمس الجوهر والفكرة الرئيسية. 
تنويه ضروري: "نعتذر للشرفاء من السوريين عن قساوة المشهد".

*من كتاب "زمان الوصل"
(111)    هل أعجبتك المقالة (106)

ابو طارق اسبانيا

2017-04-01

روعة صديقي العزيز عبد السلام..... رؤية صائبة نشاطرك اياها ومعي زملاء في المهنة اسبان وفرنسيين.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي