هوت الليرة السورية، مقابل الدولار والعملات الرئيسية، بأكثر من عشرة ليرات خلال أيام هجوم الثوار على تخوم دمشق، وارتفعت الأسعار بمناطق سيطرة الأسد، إلى ما يفوق القدرة الشرائية حتى للشبيحة والمرتزقة، بل وانتشر بالعاصمة السورية نمط شراء الخضر والفواكه بالحبة الواحدة وساد نهج الاستغناء عن وجبة غذاء بين سوريي الداخل.
ما يدفع أي عاقل للسؤال عن السبب، والذي لا تبرره الأيام الخمسة والتي لم تكلل بالنجاح لتكشف مزيداً من العورات في نظام بات من ورق، بعد أن استنزف كل الثروات وبدد الاحتياطيات، بما فيها الدولاري بمصرف سوريا المركزي.
ليأتي الجواب الأرجح، أو القابل للتصديق، في أن إيران تريد الضغط على الأسد، فأوقفت الخط الائتماني الأخير بقيمة مليار ونصف الميار دولار، بل وسحبت ميليشياتها باتجاه غرب وجنوبي دمشق، متذرعة بالاستعداد لصد هجوم "جيش الإسلام" وفصائل درعا فيما لو تقدموا، وهي والأسد عليمة بهدوء تلك الجبهات، ببساطة، لأنهم "دافنينهم سوا " لتثبت للوريث أن الغطاء الجوي الروسي لا يمكن أن يحميه فيما لو انسحبت، حتى من السقوط على أيدي مئات من الثوار وبأسلحة خفيفة ومتوسطة.
قصارى القول: ما إن عطست إيران، معلنة عن تأديب الحليف القاصر، حتى أصيب الأسد ومن معه بالزكام، وفقدت المسكنات التقليدية أدوارها ومفاعيلها في إبعاد ملامح الهزيمة العسكرية وأعراض أمراض الاقتصاد التي فقدت كل مناعاتها، بعد التوريط لست سنوات.
ما دفع عصابة الأسد، لتتوسل روسيا، لتوسيع دائرة المعارك عبر قصف المناطق المحررة الساكنة من جهة، وللتقليل، من جهة أخرى، من شروط المواصفة والقبول بمقايضة الخضر والفواكه والملبوسات، مقابل 60% من سعر صفقة القمح وضخ بعض براميل النفط في عروق الأسد، التي لن يسعفها، حتى السماح للقطاع الخاص، ولأول مرة بالتاريخ الحديث، باستمرار دوران عجلتي الحياة والإنتاج.
وساد التخبط الأكبر الذي ينقله سكان دمشق، بعد تردد المساندين للأسد، والذي كشف هجوم الثوار الأخير، وقبله حوادث عدة، ارتباطهم بطهران، سواء كانوا رجال أعمال أوقفوا عقود الاستيراد بما فيه النفط، أو حتى رجال أمن ومسؤولين حكوميين في دوائر الأسد الضيقة.
نهاية القول: ليس من مجال لإسقاط الأسد، والذي لن يتم من بوابة الاقتصاد وإن عرّى الاقتصاد العصابة وكشف طرائق إمدادها، أو من خلال السياسة والتفاوض كما يخال الحمقى، إذ أكدت سنون الثورة أن هذا الوريث مستعد لبيع وتأجير كل ما يمكن سلعنته، ليبقى ولو ليوم إضافي على كرسي أبيه.
ليبقى الأمل من وعبر طهران، بعد القرار الدولي واتفاق الكبار، على عدم الانتصار على الأرض أو من خلال المعارك، لا للثوار ولا للأسد ومن يقاتل إلى جانبه.
لكن السؤال، أيمكن استمالة إيران لتعادي الأسد، ولو عبر تطمينات وضمانات.
الإجابة بالنفي والمطلق طبعاً، لأن الحلم النكوصي الفارسي، لا يمكن أن يتناسب مع جوار سوريا، حتى وإن باعت المعارضة لطهران كما تبيع وباعت لسواها.
ليبقى الاحتمال الوحيد في تقليل بضاعة مفاوضي المعارضة وتخفيض سقف مطالبهم، للحد الذي ينحصر بإيران فقط، ويغتنموا الرياح الأمريكية وتصريحات ترامب حول "إيران إرهابية ويجب إخراجها والميليشيات التابعة من سوريا" ووقتها يكون قد فتح السوريون نافذه أمل ضمن جدار الإحباط الذي يسد أي بارقة تلوح ولو بعد عقود.
وإن تخلص السوريون من إيران، فكل شيء وقتها يكون قابلا للحل أو التعايش لأجل، بما فيه وجود المحتلين ونوازع الانفصاليين الداخليين، إذ ليس من خطر وديمومة للدم، كما في وجود إيران ..كما لا يمكن أن يلوح أي حل بوجودها.
وللحديث بعد "جنيف5" بهذا الشأن، بقية.
*عدنان عبد الرزاق - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية