لا بأس إن تقاطعت مصالح الثوار مع المزاج الدّولي خلال الأيام القليلة الماضية، إلا أن ما يحصل في دمشق وحماة وقبلها في درعا، وربما سيحصل في أماكن أخرى يفتح باب التكهنات، فكيف تحول إحباط جمهور الثورة إلى رجّة عنيفة للنظام يمكن أن تتطور إلى أبعد من ذلك، وليس صحيحاً أنها لن تؤدي إلى إسقاطه، بل إن مؤداها إسقاطه إن جرى عمل مسلّح منسّق ومنضبط.
في السياسة، وفي الأشهر القليلة التي سبقت التطورات الأخيرة أصبح نظام الأسد يتصرّف على قاعدة أن الأمور انتهت، مستغلا مع الروس الفراغ الحاصل في البيت الأبيض خلال فترة التبديل الرئاسي، فكانت أحداث حلب، وعمليات الترانسفير الممنهج التي شملت أيضاً مناطق في ريف دمشق وحمص، وزاد في غموض غيّ الأسد انكفاء التركي إلى مشروع في الشمال مع تحسن علاقات أنقرة بموسكو، إلا أن كل ذلك قاد إلى نتيجة واحدة هي أن فصائل الثورة المسلّحة تم تخميد نشاطها بالإكراه باستخدام وسيلتين، الأولى التحكم بالتذخير والإمداد، والثانية كشفها أمام الطيران الروسي، وبالتالي ذهبت الأمور إلى ازدهار غير مسبوق لمثلث روسيا – تركيا – إيران، وتراجع بقية الأطراف بسبب عدم اكتمال الرؤية لإدارة دونالد ترامب.
وعلى المدى الزمني القصير الذي سبق ما يحصل في دمشق، جرت مواجهة جوّية هي الأولى من نوعها بين الطيران الإسرائيلي وسلاح الصواريخ المطور من قبل إيران، والغامض في المسألة هو أن شظايا الصواريخ التي سقط بعضها في الأردن أو داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة ليست كلها صواريخ أرض – جو، إذ تكشف التسريبات عن صاروخ أرض – أرض أطلقه "حزب الله"، وهو بالضرورة إطلاق استراتيجي أمرت به إيران.
واضح أن إرباكا حصل في الموقف الروسي من الصواريخ الإيرانية، وأن نظام الأسد ارتبك أيضاً في التعاطي مع الاشتباك، لأنه سيدفع ثمنه غالياً.
على المستوى الإقليمي الدولي، هناك تنشيط في العلاقات الخليجية الأميركية، وهذا يعطي نوعاً من التوازن، خاصة بعد العقود المليارية التي تحميها عادة اتفاقات على المستوى العسكري والسياسي.
في المنظور العام يبدو أن الإيراني دخل مرحلة التراجع، وهو لن يتخلى عن مكتسباته بسهولة، ودائماً الهدف النهائي الذي يغير المعادلات هو إسرائيل، لكن إلى أي مدى سينجح في فرض قواعد جديدة للاشتباك، هذا أمر غير محسوم، وقد يستدعي إضعاف حلفائه وأدواته على الأرض.
بالعودة إلى فصائل الجيش الحر والثوار، من الواضح مستوى الضغط المتصاعد الذي تتعرض له منذ نحو ثلاثة أعوام، هناك محاولات جرت لضبط إيقاع المعارك مع لقاءات لافروف – كيري، إلا أن النتيجة من تلك اللقاءات والتفاهمات كانت صفراً تكعيبياً، بل وخسارة لجميع من يعتبرون أنفسهم "حلفاء الشعب السوري"، وانتهت المسألة إلى درجة رفض الأسد استقبال ستافان ديمستورا، وكأنه يريد أن يقول أن مرجعية جنيف لم تعد صالحة بالشكل القائم.
فجأة تغيّر كل شيء، واشتعلت العاصمة من جهتها الشمالية الشرقية، ولا يبدو أنها ستخمد، إذ إن ارتفاع معنويات المقاتل تستجلب مزيداً من المعارك على جبهات أخرى، وإذا انتهت فترة الضغط والتحكم بالتذخير، فإن الأسد لن سيسهر ليالً طويلة على أصوات الانفجارات، ولا أحد يعلم إن كان المكان الذي ينام فيه محميّاً من صاروخ موجه من الجوّ أو الأرض.
ومع تصعيد لهجة الأمين العام الجديد للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس والمطالبة بانسحاب "حزب الله" من سوريا تطبيقا للقرار 1701، وظهور أصوات تنادي بسحب جميع المليشيات، فإن ملامح مرحلة جديدة، ومعارك دبلوماسية أكثر سخونة سيشهدها مجلس الأمن، ولا يبدو أن المسائل الحساسة سيتم حسمها سياسياً، فهناك تصفية حساب، ولا شكّ أن غرفتا عمليات الاستخبارات الروسية والإيرانية منشغلتان - بشكل منفصل - في ترتيب قائمة أهداف، وانسحاب "حزب الله" بشكل آمن من سوريا ربما باتت أمنية كوادره وقياداته.
من جانب آخر، ربما يحاول الأسد إيهام المجتمع الدولي بأنه يحارب الإرهاب، إلا أن تلك المعركة أصبح لها وكلاؤها، وبات عدد عناصر الاستخبارات الدولية الموجودين في محيط الحدث أكبر من عدد قوات الأسد، وهم يراقبون ويقيّمون ما يجري.
إذن.. مازال هناك في سوريا ما يقال بالبندقية .. وصواريخ إيران ربمّا تنهي المظلة الإسرائيلية للأسد، وحديث الانتصارات، ولقاءاته التلفزيونية على الشاشات الغربية لا يتساوى مع قيمة مدفوعات حملة العلاقات العامة التي نظمها خلال الأشهر الستة الماضية... وزد على ذلك أنّ الإعلام الغربي سيكون على موعد مع صيف لاهب من الملفات السوداء لنظام الأسد، مع فتح المحاكم الأوروبية الباب لاستقبال دعاوى بارتكاب النظام جرائم حرب في سوريا.
تلك أخبار لا تفرح مناصري الأسد، لكن من الواجب جدّاً أن يفهم بعض من يتخذ من الصمت موقفاً، أن الأسد تمّ نزع أنيابه ومخالبه منذ زمن، وأنّ ما يقوم به هو ونظامه غير قابل للصرف.
*علي عيد - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية