أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

في ذكرى الثورة.. أوصيكم بالنساء خيراً....عدنان عبدالرزاق*

بوسنية تبكي نساء سوريا في نظاهرة سابقة في سراييفو - ارشيف

بالأمس، خرجت نساء من سرمين بريف ادلب بمظاهرة على ظلم ذوي القربى، طالبن خلالها بالإفراج عن المعتقلين وتحقيق ولو بعض ما نادى به شباب الثورة وفرسانها الأوائل، من حرية وكرامة وعدالة اجتماعية، فووجهت المظاهرة بالقمع والتعتيم، ولم يسمع أصوات "حرائر سرمين" حتى الساكتين عن الحق المستعيدين شعارات "بدنا نعيش والعين لا تواجه المخرز".

وقبل ذاك، خطت نساء معرة النعمان وسواهن من ريف إدلب، نهجاً جديداً، عبر خروجهن على الصمت ومواجهة موجة التجهيل والظلم اللذين استشريا في إدلب بعد خديعة تحريرها، فلم تفلح مجازفاتهن، وإن بقيّ لهن شرف المحاولة.

وقبل إدلب وبعدها، خرجت حرائر سوريا على ظلم سرّاق الثورة، كما خرجن على استبداد الأسد، منذ قطعهن شوارع البيضة بأجسادهن مطلع الثورة وصولاً لفضح "ثورجية" ريف دمشق الذين حموا ظهر الأسد ونأوا بأنفسهم وسلاحهم، حتى عن مناوشات تشغل المحتلين وميليشيات العقيدة، خلال المواجهات العسكرية الكبرى التي حولت معالم الثورة على الأرض، وما حلب إلا مثالاً موجعاً عن التفكك والتشظي وربما التآمر.

بيد أن تلك النسوة، لم ينلن حتى حصة تمثيل الثورة بالداخل، بل بقيت النظرة إليهن كعورات وضلوع قاصرة، ينصب جل التعاطي معهن، حول لون لباسهن وشرعيته، أو سترهن بزواجات جريمة، من أخ زوجهن أو مهاجر مجهول الهدف والهوية، لتستكمل دائرة الاضطهاد، عبر حصر مطالب وأحلام المرأة، بشهوة جسدية مؤقتة، تزيد من الوجع وتكريس أفكار من جاء من خارج حدود الإسلام الشامي المتسامح، ليفتك بذهنية السوريين، بعد أن ساهم بقتل حلمهم وثورتهم.

ثمة أمران لا أعتقد تغييبهما مصادفة، يوازيان ربما جرائم الأسد تجاه المرأة خلال الثورة. فللعلم ليس إلا، تقول أكثر المراكز والشبكات المختصة تفاؤلاً، إن نحو 8 آلاف امرأة سورية ما زلن رهن الاعتقال، أكثر من 7500 منهن تعرضن لاعتداء جنسي، وفق طرائق حيوانية تتعدى أهدافها نزع الاعتراف أو الانتقام من ذوي المعتقلة، لتصل لثأرية منطلقها انتقامي نكوصي وهدفها تشويه مفاهيم الشرف والدين والأنوثة.

وذلك فضلاً عن حالات التعذيب التي روتها بعض الناجيات من ذئاب السجون وكلاب الأقبية الأمنية، والتي تصل بوجعها وعقابيلها، إلى ما لم يصله ثمن، دفعته ثورة أو حتى حرب عالمية، من ذي قبل.

عود على بدء الأمرين، الأول في نظرة المجتمع لتلك الخارجات من المعتقلات، وخاصة من امتلكت منهن الجرأة وروت ما حلّ بها من قهر وتعذيب واعتداء جنسي، ونحن الذين نرى بأن دفن المرأة خير علاج لغسل شرفها، بمعنى آخر، ما هو حال المفرج عنهن بغياب مراكز التأهيل النفسي ومن ثم الجسدي والعقلي، وكيف يمكن لتلك النساء أن يفضحن جرائم الأسد الوريث، دون أن يدفعن ثمناً آخر، إن لم يصل حد القتل فلن يقل عن النظرة القاتلة المليئة بالازدراء والاتهامية، في واقع ذكوري بماضيه ومستعبد للمرأة بحاضره المستورد. ولعل السؤال الأهم، ما هو مصير تلك النسوة، أو معظمهن على الأقل، بواقع عدم التأهيل وقبول المجتمع لهن، وهل يستبعد أن يتحولن لسلع يتاجر بجسدهن ومعلوماتهن، في واقع تحول الثورة برمتها لتجارة.

وأي مستقبل سيُرسم لسوريا، إن جنحت الأمهات وشذت الأخوات وتاهت الحرائر بواقع الضباب الذي يكسو المشهد العام لسوريا والسوريين.

وأما الأمر الثاني المتناقض كلية للأول، فهو فيمن يمثلن السوريات، أو أراد الآخرون اختصار السوريات بهن، سواء في وفود التفاوض أو التمثيل الثوري أو حتى على شاشات التلفزة ومزالق الإعلام، واللائي يذهبن، أو بعضهن لئلا نقع بفخ التعميم، لتكريس كل ما يراد من أفكار ولتسويق كل ما يخطط للمشهد الختامي لسوريا...وربما بالشرح هنا وجع وفي التفاصيل اتهام.

قصارى القول: خطران يعانيهما المجتمع السوري اليوم، يفوقان بنتائجهما مليارات الدولارات التي أزهقتها حرب الأسد على قتل الثورة ورهن المقدرات ومصائر السوريين، بل ويتعدى الخطر، حتى قتل وتهجير السوريين رغم ما لذلك من تدمير ستبقى آثاره وأثمانه تدفع لعقود.

الخطر الأول في إبعاد الجيل السوري عن العلم وخرطه ضمن متاهات التغييب والتجهيل والشذوذ، أو رميه على الأرصفة وفي المعامل، لتزيد من تشويهه وتجهز على بعض الأمل بعودته لطفولته ومدرسته ومساهمته بمستقبل سوريا.

والخطر الثاني المرتبط بالأول، هو تشويه صورة ودور المرأة، المرأة المدرسة التي تأخذ بيد الطفل ليستقيم، المرأة الأم التي كانت شعار الطهارة والعطاء والتضحية.. والمرأة الأخت التي تساهم كما أخيها ومن المفترض أن لها ماله من حقوق وأدوار.

نهاية القول: تضاف آلاف المعتقلات إلى عشرات وربما مئات آلاف السوريات اللائي فقدن أزواجهن وأولادهن وآباءهن، لنكون أمام جيش من السوريات الذي لا يأتي أحد له على ذكر، رغم الآثار والنتائج والأثمان، التي تدفع اليوم وستدفع غداً، ولعل في ترك السوريات بمخيمات لجوء الجوار أو دول اللجوء الأوروبية، دونما رعاية وتأمين دخل وتنظيم، ليكن عرضة لكل ابتزاز وسرقة وتهديم، دليل على أننا لم نعِ بعد أبعاد قتل السوريين وتطلعهم الثوري والتحضّري، رغم تشدقنا بالشعارات بأن ثورتنا بالذهنية وهي فكرة لا يمكن أن تموت، وكل عام وطلاب الحرية الشرفاء بخير، وحرائر سوريا اللائي دفعن ولم يزلن، أثمان الانحطاط والديكتاتورية والخيانة.

*من كتاب زمان الوصل
(171)    هل أعجبتك المقالة (167)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي