أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هؤلاء أكلوها من داخلها.. أوقفوا استثمار الثورة*

أرشيف

لن أكتب عن موالٍ أو شبيح أو قاتل بعينه، ولا عن فنان وقف إلى جانب القاتل من أجل بعض المال أو لعقيدة متقاطعة باطنية معه أخفاها طوال عقود لتظهر فجأة في وجه ثورة السوريين، ولا عن اقتصادي يرى الوطن من باب مصالحه المالية، والدم المراق صفقة تربح أو تخسر... فهؤلاء قد انتهوا إلى ما هم فيه عن سابق ترصد وإصرار على الوقوف بجانب القاتل مهما كانت النتائج والخسارات، وأنهوا عقدهم الأخلاقي مع الوطن والشعب والتاريخ.

ما يثير السخط هو هذا الكم الكبير من المعارضين الذين يستثمرون في الثورة والمعارضة، ويرون أنها باب ارتزاق كبير، وهؤلاء ليسوا بأفضل من أولئك المصطفين لجوار القاتل، وأكثر منهم قماءة وسقوطاً في كونهم يستثمرون في دم أهلهم من المحاصرين والجوعى والمعتقلين والذين ما زالوا يرابطون داخل الوطن أو خارجه.

إعلاميون وعسكر ونشطاء ومؤسسات وشيوخ جزء من جسد الثورة الملون يلهثون وراء أموال المؤسسات الغربية الداعمة، ودكاكين إعلامية دورها في إرضاء الداعم، والبحث عمن يكتب بأقل الأسعار وإن يكن مجاناً فلا مانع لديها، ورؤساء تحرير لا يفقهون كتابة خبر يتصدون لمقالات الرأي، ونصابون أتوا من صحف إعلانية كانت تلهث وراء رؤساء بلديات النظام ومحافظيه من أجل الحصول على تهنئة مأجورة للرئيس القائد يهتفون اليوم للثورة من خلال قنوات تلفزيونية تضع علم الثورة قناعاً، ولكنها في الخفاء تدير أموالاً كان يجب أن تصب في تقديم صورة حقيقية عن مأساة الشعب السوري للعالم لا أن تنتج التفاهات وتقدم فاتورة باهظة لمموليها.

عسكر يقيمون في بلدان اللجوء ينظّرون عن الموت والحرب من داخل استديوهات مكاتب الفضائيات العربية الكبرى من أجل مائة دولار عن كل مداخلة وهم لم يخوضوا معركة واحدة، وأحد الأصدقاء الإعلاميين حدثني عن أحد هؤلاء الذين يديرون معارك كبيرة عبر "سكايب"، وأحد هؤلاء تفاخر في أحد الجلسات بأن دخله الشهري بآلاف الدولارات فقط من مداخلات عن معارك وتوقعات تشبه تنجيم نجلاء قباني في البرامج الصباحية على إذاعة "شام إف إم".

أحد الإعلاميين الذين تستقبل تنظيراتهم فضائيات الثورة يكرر اسطوانته المشروخة من المفردات الركيكة والعامية التي يعتقد أنها فصحى، وينسى في تهويماته القضية التي جاء ليتحدث عنها يجاهر بقرفه في مقاهي اسطنبول وعينتاب، وصار رقماً صعباً في كونه لا يرفض طلباً لأي أحد وفي أي قضية مثارة.

بالمقابل هناك من يكتفي من الإعلاميين المحترفين بما يسد جوعه، وبعض الشباب الموهوبين يستبد بهم ناشط فقط لأنه حمل الكاميرا في داخل البلاد يغطي مظاهرة أكسبته حصانة النقد والخطأ، ومنحته الحق في التخوين واستصدار شهادات الوطنية وحسن السلوك.

موظفون لدى حكومة أحمد طعمة تقاضوا آلاف الدولارات من أجل لا شيء سوى أنهم مقربون من الحكومة ومدعون من بعض أعضاء الائتلاف، وبعض الإعلاميين خرجوا بخفي حنين وبرواتب متراكمة في ذمة نفس الحكومة بينما سائقون ومرافقون قبضوا آلاف الدولارات، وطويت ملفات دون محاسبة من أحد فقط من أجل براءة الثورة وعفتها.

إذا كان هناك من مخلصين لدماء مئات آلاف الشهداء من السوريين، ومثلهم من المعتقلين، وملايين المهجرين في الخارج والداخل لا بد من وقفة حقيقية قد لا يكون وقتها قد فات، ومراجعة مخلصة لسنوات الدم ومحاسبة من استثمرها...وعلى الصامتين أن يخرجوا من صمتهم لكلمة حق تنصف شعباً وقف العالم في وجه تحرره من طغمة قاتلة مجرمة.

*ناصر علي - من كتاب "زمان الوصل"
(188)    هل أعجبتك المقالة (183)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي