كثير من السوريين المحسوبين على الثورة تبنوا موقفاً مؤيداً لهولندا في أزمتها مع تركيا، وهو موقف وإن كان لا يقدم ولا يؤخر في القضية، إلا أنه يطرح الكثير من الأسئلة حول سبب "العدائية" لدولة سواء اتفقنا مع كامل سلوكها السياسي إزاء الأزمة السورية أم لم نتفق، فهي محسوبة على القلة القليلة من القوى الداعمة للثورة السورية على المستويين الشعبي والحكومي.
نعم قد نتحدث عن الكثير من خيبات الأمل في السياسة التركية، ويستطيع من اتخذ موقفاً مناهضاً –لا يقدم ولا يؤخر- أن يورد تصريحات منسوبة للرئيس التركي حول سوريا بقيت حبراً على ورق، وجميع السوريين يذكرون التصريح الشهير لرجب طيب أردوغان "لن نسمح بحماة ثانية.."، وما حدث أن تكررت مأساة حماة في أغلب المدن السورية، ويذهب البعض إلى تحميله مسؤولية إخفاق معركة الساحل التي ربما لو كتب لها أن تستمر وتنجح لكان للوضع السوري شكل آخر غير ما هو عليه الآن.
من نافل القول إن الدول تعمل وفق مصالحها، وهذا ينطبق على تركيا وهولندا وغيرها وليس بالضرورة أن تتوافق هذه المصالح مع أمنياتنا ورغباتنا، ومن نافل القول أيضا إن السوريين يدفعون ضريبة صراع المصالح بين القوى الإقليمية والكبرى في هذا العالم.
في أجواء التوتر التركي الهولندي، جاء خبر حكم القضاء المصري ببراءة الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، وهو أيضا شأن مصري لا ناقة لنا به ولا جمل، إلا من زاوية النظر إلى مآلات الربيع العربي، ولكنه جلب إلى الذاكرة الموقف المناهض والمتمني زوال حكم الرئيس "محمد مرسي" والذي اتخذه السوريون نفسهم الذين يتخذون موقفا من تركيا يكاد يصل درجة العداء، وكان أغلبهم يسوق التبريرات نفسها التي يطرحونها الآن وكلها بشكل أو بآخر تدور مع اسطوانة "الأسلمة". وهنا لا داعي للدخول في مقارنة بين حال السوريين في مصر في تلك الفترة وبين الفترة التي تلتها ومازالت مستمرة..
في تركيا ثلاثة ملايين ونصف المليون لاجئ سوري، وضعهم كما يؤكد الجميع الأفضل بين لاجئي دول الجوار، نعم قد لا يقارن وضع اللاجئين من حيث "المكتسبات" بين من هم في تركيا وبين من هم في دول أوروبا ومنها هولندا، إلا أننا ووفق طروحات الشد والجذب يمكن أن نقول إنه ما كان لثلاثة أرباعهم أو أكثر أن يصلوا إلى أوروبا لولا التغاضي التركي عن حالات ركوب البحر، دون أن نغفل أن لتركيا أيضاً مصالح في هذا التغاضي أحدها الضغط على الاتحاد الاوروبي الذي وقف هو الآخر عاجزاً تجاه ما يفعله الوريث القاصر.
زعيم حزب اليمين المتطرف في هولندا "كيرت فيلدرز" وفي تسجيل له قدم طروحات متطرفة ضد "الإسلام" ولم ينطلق في إشكاليته مع تركيا من حالة سياسية، وهذه الطروحات المتطرفة كما يقول الأصدقاء اللاجئون في هولندا إنها تتفاعل مجتمعياً ومنذ فترة سابقة للأزمة الأخيرة، وهي إن لم تبدُ واضحة في وسائل الإعلام التقليدية، إلا أنها وكما يقولون فاعلة وبقوة في وسائل التواصل الاجتماعي "السوشيال ميديا"، وربما يتفاجأ العالم بنهوض اليمين كما تفاجأ بوصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض رغم وقوف الإعلام الأمريكي ضده وعلى العكس من كل نتائج استطلاعات الرأي.
خلاصة القول.. لم يبقَ لأهل الثورة السورية من عمق سوى تركيا، عمق لا نتمنى أن تحيله مصالح السياسة إلى الضفة الأخرى، مثلما نتمنى ألا تتأثر الأبقار الهولندية ذائعة الصيت بحالة التطرف التي تجتاح العالم.
* من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية