أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

مصر تراهن على الجيش اللبناني في السياسة والإدارة أيضاً!

"ليس لجامعة الدول العربية سياسة خاصة بها حيال لبنان وأزماته المتناسلة. أقصد ليس للدول العربية سياسة كهذه. إنطباعي هو أن ما تقرره مصر في الشأن اللبناني، أقله في المرحلة الحالية، تسير به البقية بلا سؤال".  

 هذا الكلام قاله لـ"إيلاف" سياسي زار القاهرة أخيراً بعيداً عن الأضواء، والتقى مسؤولين كباراً في الدولة المصرية والجامعة وعاد إلى بيروت بأجواء، طلب عدم نقلها بحرفيتها إذا كان لا بد من الإشارة إليها.   وقال الرجل إن الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى شبّه لبنان في حديثه معه بسيارة بلا عجلات، أي تحتاج إلى تعاون جمع كبير من الأهل والأصدقاء كل مرة لتنتقل من مكان إلى مكان. والسيارة متوقفة هذه الأيام في مكان آمن، بعدما كانت زحزحتها من مكان توقفها السابق الخطر استلزمت جهوداً مضنية تكللت بالنجاح. الحمدلله بات اليوم للبنان بلاد المشاكل الكثيرة رئيس للجمهورية يقيم في القصر الرئاسي وحكومة ومجلس نواب يعملان، وهذا في ذاته إنجاز. وليس قليلاً أبداً بعدما كان لبنان وقع في الفراغ الدستوري ووقف الأفرقاء، أو ركاب السيارة على حافة الحرب الداخلية في أيار / مايو الماضي.

كما إن الحوار الوطني لا يزال مستمراً وإن على تقطع، وهذا جيّد فهو يهدىء الأحوال إلى أن تحصل الإنتخابات النيابية المقبلة في الربيع وتظهر معطيات جديدة .

في لبنان يجب ألا يأمل المرء في حلول جذرية.  

واطلع السياسي على الخلاصة التي كوّنها  نائب مدير جهاز المخابرات العامة المصرية اللواء عمر القناوي من زيارته التي استمرت نحو أسبوعا لبيروت، التقى خلالها كل الأطراف يميناً وشمالاً، وكبار المسؤولين أيضاً- الأمر الذي أثار انتقادات لدى بعض الأوساط اللبنانية، باعتبار أن رجل المخابرات يلتقي رجل مخابرات والسياسي وهذه الخلاصة تقول بأن لا أمل يُرجى في الأحزاب والقوى والتيارات والشخصيات على أنواعها في لبنان لأن صراعاتها المزمنة والمتواصلة لا توحي إمكان توصلها يوماً إلى تفاهم يتسم بصفة الديمومة ويتيح بناء أسس للدولة وفق المتعارف عليه لقيام الدول من إعطاء الأولوية للمصلحة العامة على حساب الخاصة ، سواء أكانت لأحزاب أم طوائف وزعماء.  

 على هذا الأساس لا تكون في لبنان سوى مؤسسة واحدة يمكن التعويل عليها تؤدي دور القوة اللاحمة لأجزاء  الفسيفساء المتناثرة والتي تتكوّن منها البلاد، هي مؤسسة الجيش اللبناني الأقرب إلى المواطنة منها إلى الطائفية، والتي أثبتت التجارب أنها قادرة على تقديم البدلاء عندما تتعذر الحلول على المجتمع السياسي اللبناني.  

عند هذا الحد توقف السياسي بعض الوقت، ليضيف أن هذا الموقف ليس جديدا على مصر ، فهي التي كانت وراء طرح إسم قائد الجيش السابق العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية قبل أن يخطر اسمه ببال أحد ، وتولت تسويق ترشيحه في داخل لبنان ولدى الدول العربية والغربية المؤثرة في القرار اللبناني. ونجحت في ما أرادت وإن بعد لأي.  

 وقال إن أول ما يتبادر إلى الذهن في مجال توقع الترجمة المصرية لهذا الموقف هو دعم الجيش اللبناني بالسلاح والتدريب والتوسط لدى دول أخرى لتقديم دعم مماثل له ، فضلاً عن وضع الإمكانات والمعلومات الإستخباراتية في تصرفه لتسهيل مهمته في ضبط الأمن وتوفير الإستقرار. ولكن ليس هنا بيت القصيد.  

فقد سمع السياسي في القاهرة إن مؤسسة الجيش يجب أن يكون لها دور في السياسة والإدارة في لبنان. وهذا كلام يسترعي الإنتباه والتدقيق في خلفياته. والأرجح أن المقصود به تحويل الجيش ضماناً للنظام والحكم، وقوة يحسب لها حساب في الحركة السياسية على غرار ما هو الوضع في الأنظمة التي تشكل الجيوش عمود النظام الفقري، مثل مصر وتركيا على سبيل المثال، مما يقتضي تحوّله حزباً غير معلن فوق الأحزاب يؤخذ برأيه في القرارات السياسية الرئيسية، فضلاً عن اعتباره "مخزن القادة والرؤساء". 

  ولاحظ أن ما يهم الدول العربية خصوصاً هو إستقرار الأنظمة- حتى لو كان إلى حد الموت- بذريعة أن أي تغيير في ظل أوضاع خطرة تحملها من جهة التطورات الإقليمية المائلة إلى العنف، ومن جهة التنظيمات الدينية المتطرفة على أنواعها قد يكون قفزاً في الفوضى، أو في المجهول بأحسن الأحوال.   وأضاف أن المطروح هو عودة إلى "النموذج الشهابي" نسبة إلى عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب الذي كان قائداً للجيش، وتميز حكمه بعد محاولة انقلاب فاشلة للحزب السوري القومي الإجتماعي بانفلاش تدخلات المخابرات في مختلف أوجه الحياة العامة ، ولا سيما في السياسة.
وروى السياسي هنا نقلاً عن الوزير السابق فؤاد بطرس الذي كان شديد القرب من الرئيس شهاب أن الأخير أخبر بطرس أنه لو أنزل الجيش عندما كان قائده بناء على إلحاح الرئيس الراحل كميل شمعون لقمع حوادث سنة 1958 التي تسمى في لبنان "الثورة" لكان يضمن بقاء المؤسسة العسكرية موحدة 7 أيام فقط ، "أما في اليوم الثامن فلا أعرف". 

  وأوضح أن هذه الحادثة واردة في كتاب مذكرات للوزير بطرس سيصدر قريباً، موضحا أن غايته من هذا القول الإشارة إلى أن الرئيس المصري حسني مبارك يحاول مشكوراً تصدير خبرة حياته التي عاشها منذ انقلاب الجيش المصري في 1952، لكنه والمسؤولين المصريين ربما يفوتهم أن الجيش اللبناني يقف على أرض مفخخة عندما يتعلق الأمر بصراعات الطوائف والأحزاب لا سيما عندما يكون بعضها مسلحاً ويتمتع بقوة تتجاوز بأضعاف قوة الجيش، وآخر دليل كان موقفه في حوادث أيار / مايو الماضي عندما تحوّل الجيش شرطي سير للمسلحين في بيروت وعجزه عن ضبط الوضع إلا بعد توافر الإتفاق السياسي بين الأفرقاء المتنازعين.  

 وقال أيضاً أن "بعض الأخوة في مصر يعتقدون أن النائب العماد ميشال عون قد يكون راضياً عن هذا التوجه باعتبار أنه خرج من المؤسسة العسكرية وبنى زعامته على انتسابه إليها، لكن لا أظن ذلك ينطبق على الواقع، فالجيش تغيّر، ولم يعد كما كان أيام قيادته له .

ففي زمن الحرب حتى القائد السابق الذي أصبح رئيساً ، العماد سليمان، والقائد الحالي العماد جان قهوجي، وكل رفاقهم الذين قاتلوا بقيادة عون في الشطر المسيحي من لبنان تلك الأيام كانوا يعتبرون "عونيين"، لكن الأمر اختلف الآن. وإذا تدخل الجيش في السياسة حالياً لا يعود للجنرال عون أي مكان أو موقع . 

  إلا أن الموضوعية تقتضي الإقرار بأن الرأي العام اللبناني- ولا سيما فئة رجال الأعمال الذين يستميتون عادة في سبيل إستقرار يتيح ازدهار أعمالهم- قد يئس من الأحزاب والقوى والتيارات على أنواعها إلى حد بعيد وقد يندفع في قابل الأيام في تأييد الرؤية المصرية إلى مستقبل الحكم والنظام في لبنان.  

 ثم أن الرئيس العماد ميشال سليمان يكرر أنه "نيو شهابي". وتجربته في الحكم غير سيئة حتى اليوم، فأسلوبه يشبه قيادة سفينة وسط الموج، إذا مالت إلى جانب يميل بها إلى الجانب الآخر، فيبقيها متوازنة سائرة في البحر. ولا لزوم لعجلات، فالسفينة لا تحتاج ، إذا كان ربانها موزوناً عاقلاً حكيماً، إلا إلى عجلة قيادة وأجواء مؤاتية وركاب عاقلين لتكون الرحلة سعيدة.  

ايلاف
(106)    هل أعجبتك المقالة (141)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي