خمسطعش وثمنطعش آذار... حسين الزعبي*

لم نلحظ إلى الآن بروزاً للخلاف السنوي الربيعي حول تاريخ بدء الثورة أكان في الخامس عشر من آذار 2011 أم في الثامن عشر منه وهو خلاف كانت إرهاصاته تبدأ بين أهل الثورة مع مطلع شهر آذار.
ليس مهما إن كان في الثامن عشر أم في الخامس عشر، لكن أحقاً أن غياب هذا الخلاف هو مؤشر للتبرؤ من الأثمان المروعة التي يدفعها السوريون دماً ومالاً وتشرداً، وهل هو انعكاس لحالة يأس من أن تصل الثورة السورية إلى أهدافها التي خرجت من أجلها في ذلك الربيع.
من يعش بعيداً عن أصوات القذائف وحمم البراميل المتفجرة والصواريخ شديدة الانفجار، ولا يرى أولاده يتضورون جوعاً، ليس له أن يطرز الغزل في المفاهيم الثورية، مع العلم أن مقياس السعادة ليس مؤشره بالضرورة القرب والبعد عن المناطق الساخنة، وهذه مسألة قد لا يعيها تماماً إلا من يعيش حمى اللجوء، لجوء هو في حقيقته من الأثمان التي يدفعها السوريون.
يقولون إن اليأس في الثورة خيانة، قول ليس بالضرورة أن يكون مقنعاً، لاسيما مع ما نشاهده من تشابك وتعقيد وصراعات دولية ميدانها أحياء وبلدات وقرى سورية، كان موت أحد شبابها بحادث سير يعني أن يخيم الحزن على جميع أهلها، بينما هي الآن ربما لا تعرف حصيلة من فقدتهم منذ ذلك الربيع.
تجف الأحبار، ولا ينتهي الكلام عن مأساة السوريين المستمرة منذ ركوب حافظ الأسد سدة الحكم، ففي حماة أمهات ما زلن ينتظرن من فقدن في تلك المجزرة الرهيبة، تجف الدموع ولا ينتهي استعراض ما تعيشه سوريا من مآس على مدار الساعة.. كل هذا صحيح، لكن لا شأن للثورة فيه، فهي ثورة سعت لإنجاز سورية دولة تتصدرها العدالة، ثورة كانت الأجمل بين ثورات الربيع العربي، الأجمل بشبابها بهتافاتها بأهازيجها بلافتاتها بتضحياتها بالابتسامات المرسومة على شفاه شهدائها.
يضيق الوقت وتضيق المساحات بذكر مئات الأسباب الموجبة للثورة، ليس أولها وجود رئيس أبله جاء في لحظة تاريخية كان يخيم فيها على سوريا صمت القبور، بينما كانت أقبية التعذيب في المئات من الأفرع الأمنية من أقصى جنوب سوريا إلى أقصى شمالها تضج بصراخ تعذيب المعتقلين بتهم لا تبدأ بالإخوان ولا تنتهي "بوهن عزيمة الأمة"، هذا فضلا عن مئات الأسباب الاقتصادية والاجتماعية وغيرها الكثير الكثير من الأسباب التي بات الجميع يحفظها كمنشورات على صفحات "فيسبوك".
لم تصل الثورة إلى مبتغاها بعد، لكنها في طريقها أسقطت حسن نصر الله الذي نافست صورته في المدن السورية صور بشار الأسد، وإن لم تكن أسقطت المشروع الإيراني فعلى الأقل كشفته، وفي طريقها إلى مبتغاها أيضاً أسقطت الكثير من الأقنعة عن الشخصيات السورية التي وصلت يوماً مرتبة القداسة.. ولعل أهم ما أنجزته الثورة في طريقها أنها فجرت بؤر القيح في الجسد السوري قيح المناطقية والطائفية والطبقية والتطرف بكافة أشكاله، وكل منها يحتاج لأبحاث وأبحاث.
لم تصل الثورة إلى أهدافها بعد، وقد لا تكون الحكمة في رفض البحث عن حلول تختصر كم الدم المسفوح، لكن علينا ونحن نبحث نظريا بين اليأس والمأمول وما بينهما تذكر ضرورة أن نعالج، نحن أهل الثورة، ما بنا من علل وأخطاء، هذا إن بقي هناك وقت للمعالجة، دون أن ننسى أيضا ونحن في لحظات يأسنا أن هناك من يقاوم الموت في معتقلات النظام بأنينه.
*من كتاب زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية