حلوة اللقطة التي بدرت من نصر الحريري في جنيف، عندما أخرج جواز سفره السوري وأخذه يلوح به أمام عدسات الكاميرا، مرددا بصوت مرتفع أنه سوري وجميع من معه سوريون ويحملون نفس جواز السفر، فهي لقطة لم يكن ينقصها سوى أن تعقد المعارضة حلقة دبكة في جنيف، ملوحين بجوازات سفرهم بدل السبحات، وذلك من أجل أن يقتنع هذا النظام أنهم ليسوا مرتزقة ومرتبطين بأجندات خارجية كما حاول الجعفري تصويرهم في كل مؤتمراته الصحفية، وإنما هم سوريون أقحاح ولازالوا يتقنون فن الدبكة.
وناهيك عن أنها موجهة للنظام، لكننا نحن أبناء الثورة، كنا بحاجة لمثل هذه اللقطة، لأنه ساورنا الشك في فترة من الفترات، ومن كثرة "الزن"، أن هؤلاء المعارضين ربما يكونون مرتزقة ويمثلون مصالح الدول التي يقيمون على أراضيها، لهذا فرحنا بها أيهما فرح ..!!
أهمية هذه اللقطة من جهة ثانية، أنها تتناقض تماما مع مشهد العرعور الذي دعانا لكسر هوياتنا الشخصية كردة فعل على رفضنا للانتماء لهذا النظام ولكل ما يمت إليه بصلة.
وهذا لعمري يلخص الفارق بين الثورة عندما بدأت، وبعد مرور ست سنوات عليها..!
قد لا يغدو مغريا الحديث عن هذا الفارق، ونحن سنستقبل بعد أيام الذكرى السادسة للثورة، ويكفينا أن نذكر فارقا واحدا حتى نكف عن هذه المحاولة من أساسها، وهو أنه خلال السنوات الثلاث الأولى للثورة كان النزاع بين السوريين يصل إلى حد الاشتباك بالأيدي والكلام اللاذع، حول من صاحب شرف البدء بالثورة.
كان ذلك يحدث قبل شهرين من ذكرى انطلاقها، بينما اليوم لا نكاد نسمع من ينازع الآخر على حق الامتياز بهذا الشرف، وهو نتيجة طبيعية لحجم الثمن الذي دفعه السوريون في سبيل حريتهم، فلم يعد مهما اليوم معرفة من بدأ المحاولة، بل أصبح المهم من يستطيع الوصول للنتائج المرجوة.
لهذا فرحنا بحركة نصر الحريري الملعوبة، لأنها لخصت آلامنا بعد ست سنوات من الثورة، مثلما فرحنا بحركة العرعور التي خاطبت عنفواننا ببداية الثورة، ولو أن الأمور سارت بنفس العنفوان لكان التصرف الأجدر بنصر الحريري، هو أن يقذف بجواز سفره على وجه بشار الجعفري، ويطرحه أرضا، لكن من الواجب الاعتراف أن حركة نصر الحريري لم تكن لتخلو من الاستجداء..!!
الثورة، لا تتحمل ما حل بها من انكسار، وكذلك النظام لا يحق له أن يفرح بما حقق من إنجازات على حساب دمار البلد وتهجير أهلها والمذبحة العمياء التي طالت الجميع، بمساعدة أصدقائه الأشرار، فكلنا خاسرون في هذه المعركة، أو خسرنا وانتهى الأمر.
ولو استطاع المجتمع الدولي الإبقاء على هذا النظام فلن يستقيم له حكم سوريا كما في السابق، ولعل ذلك أقل الإنجازات التي تتحدث عنها المعارضة وتعتبره كافيا فيما لو لم تحقق الثورة جميع أهدافها.
أرجو من جميع الإخوة، الذين سيقرؤون هذا المقال، أن لا يظنوا بأنه خطاب انكسار وتشييع للثورة، بل على العكس فأنا كذلك من المؤمنين بأقل الإنجازات، وأعتبرها لوحدها إنجازا مهما، فمن عاش في سوريا، واطلع أين كانت ستؤول الأمور فيما لو ظلت هذه العصابة تحكم بنفس الطريقة، فلن تكون الأوضاع مختلفة كثيرا عما حدث بعد الثورة.
قد لا يكون انعكاس ذلك في الدمار والقتل، بل كان الشعب السوري مقبلا على مرحلة من الإفقار والذل، تجعله يتمنى الموت على أن يستمر في العيش وسط هذه الظروف.
ولا تستغربوا أن هذا الكم الكبير من الضباط وموظفي الدولة الكبار ورجال الأعمال، الذين تركوا مناصبهم وممتلكاتهم، وانتموا للثورة، وهاجروا مع أهلها، فإنما فعلوا ذلك لأنهم كانوا أكثر دراية من غيرهم بخطط النظام وعصابته، إنهم فضلوا أن يفقدوا كل شيء على أن يبقوا تحت ذل هذه العصابة الحاكمة.
وأنا على يقين اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، أن هذه الثورة لن تتوقف دون تحقيق كامل أهدافها، سوف تبقى شوكة في حلقه لن يستطيع نزعها مهما حاول، وحتى لو "دبكنا" معه في جنيف وفي الأستانة، فهو أكثر ما يغيظه أنه لم يعد يواجه فريقا معارضا واحدا، بل أصبح كل سوري يقاومه، هو بمثابة فريق معارض بالنسبة له، لهذا يعلم أنه لو استطاع تطويع الفريق المعارض الذي يفاوضه في جنيف، فلن يكون بمقدور تطويع عشرات آلاف الفرق المعارضة التي تقاومه في الداخل، هذه هي ورطة النظام وهنا مقتله.
* من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية