رغم أنها تصاعدت بشكل كبير خلال الثورة، إلا أنها كانت نهجا سلكه الأب منذ استولى على السلطة، واستمر عليه بتفوق الابن، إنها عملية تصفية المنافسين مهما كانت درجة قرابتهم وقربهم.
محظور على أي كان أن يتجرأ على مجرد التفكير بمشاركة الرئيس السلطة، غبي من يفعل ذلك، أو أنه لا يقرأ التاريخ ولا يفقهه.
للأسد الأب سجل حافل بتصفية الأصدقاء المنافسين بدأه بتغييب صديقيه في اللجنة الثلاثية محمد عمران وصلاح جديد، طبعا، استمر باغتيال الأشخاص والتجمعات التي قد تشكل حالة تنافسية أو خطرا حتى صغيرا، فاستأصل النقابات الحرة والإخوان المسلمين مطلع ثمانينيات القرن الماضي.
ولم يتوان عن المبادرة إلى قتل شقيقه المتمرد الطموح "رفعت" وكان سيفعلها لولا توسل الأم "ناعسة" وتدخّل الصديق المجرم الآخر معمر القذافي ورعايته لحل يقوم على اقتسام الشقيقين لسورية، أحد يحمل كل ما في خزينتها ويغادر والثاني يتولى السلطة، وكان الاختيار على الشكل الذي آلت إليه الأمور.
الابن "المعتوه" والذي بدا أن الحكم "مهبط" عليه، وبدا أيضا أن هناك رؤوسا تقوده وتوجّهه، ومن المرجح أنها السفارة الإيرانية بدمشق، لم يتردد بتصفية خلية الأزمة عبر التفجير المدبر في مكتب الأمن القومي في العام الثاني للثورة بتاريخ 24/7/2012.
هنا سأورد لكم معلومة ناولني إياها مقرب من النظام وأمنه وهو مهندس بالأمن الجنائي مختص بالمتفجرات وتركيبها، أرويها للمرة الأولى، قال الرجل: تفجيران وليس واحدا استهدفا خلية الأزمة، من خلال عملية الفحص والتحقيق التي شاركت بها تبين أن تفجيرا حدث بأرض قاعة الاجتماع والمرجح أنه قنبلة كبيرة في حقيبة، والثاني أعقب الأول خلال ثواني ومكانه سقف القاعة انفجر بتأثير الأول.
أوردنا الرواية لتأكيد المؤكد، وهو ما يذهب إليه المجرم الصغير الذي يقاد بالريموت كونترول من قتل مدبر لمن تسوّل له نفسه التفكير بالاقتراب من مقام الرئاسة، وكان قد وصلته معلومات بأن المجتمعين في القاعة، ما عدا وزير الداخلية محمد الشعار، كانوا سيتباحثون بناء على ضوء أخضر روسي بتنحيته وتشكيل مجلس رئاسي يقوده علوي.
ولم يشفع للمجتمعين وجود صهر "المعتوه" بينهم ولا قرارهم تسمية علوي لرئاسة المجلس الرئاسي فقتلهم بشار المهووس بالسلطة، ليلحقوا بقائمة غير قصيرة من المنتحرين "بستة طلقات في الرأس" مثل غازي كنعان أو من اتهم اسرائيل بقتلهم كمحمد سليمان أو من قتلوا في ظروف غامضة كجامع جامع ورستم غزالي.
وهؤلاء قتلوا ليس بسبب طمعهم بالسلطة الأسدية بل لأن وجودهم أحياء يشكل خطرا عليها، فهم شاركوا بقتل الحريري واطلعوا على معلومات أكثر مما يجب عن دور الأسد الولد في تلك الجريمة، مع توجّه العالم لإنشاء محكمة دولية خاصة بجريمة مقتل الحريري.
ولا يخرج عن الإطار نفسه مقتل عماد مغنية وقيادات أخرى في حزب الله، وكذلك مقتل العميد حسن درويش في الأيام الماضية بتمثيلية مدبرة ادعت جبهة النصرة إعدادها وإخراجها، وكذلك مقتل العقيد سهيل الحسن الملقب بالنمر الذي نافس بإجرامه بشار، فكان مصيره الموت، ولكن الضرورة فرضت وضع نمر "بدا هرّاً" كبديل له، نراه يخرّف بين الفينة والأخرى، ولم تنفع مناشدة أسرة النمر الحقيقي لاحترام ذكرى "الشهيد".
لم يحبّ الأسدان الأب والابن المنافسين، كما قلنا، وكرهوا الشخصيات التي تحظى بقبول شعبي وجماهيرية واسعة، فعملا على إطفاء النور التي يجعل منها مضيئة.
فاضطهد الأب الشاعرين نزار قباني وأدونيس وأرغمهما على مغادرة البلد وكسر الابن أصابع رسام الكاريكاتير علي فرزات، كما حارب الأب في الرياضة لاعبي كرة القدم عبد القادر كردغلي وبشار سرور اللذين كانت نجوميتهما وبالا عليهما، وعاقبهما دون سبب وحرمهما لعب كرة القدم بانتظام، وكان حظ الفارس فراس قصاص أكثر سوءا، لأنه نافس الابن القتيل "باسل" بركوب الخيل، فغاب في السجون أكثر من 20 عاما.
الثورة السورية التي فرضت على الأسد ارتكاب جرائم غير مسبوقة للحفاظ على السلطة العلوية الأسدية جعلت من المستحيل القبول الدولي بحكم أبدي للمعتوه، ويبدو أن روسيا، أكبر داعم له، والتي تورطت معه في الإجرام ستتركه للموت سحلا على يد جهة ما، إن لم يسايرها بقبول الرحيل يوما ما.
* من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية