أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

مصيبة إعادة إعمار سوريا*

من سوريا - ارشيف

لفت انتباهي ما تحدث به أحد أعضاء وفد التفاوض، بأن أهم ما يقال خلف الأبواب الموصدة خلال التفاوض، هو الاقتصاد، وأهم ما يتم التركيز عليه بالاقتصاد، هو إعادة إعمار سوريا، وأهم ما يتم التفصيل حوله بهذا الشأن، هو حصة حلفاء الأسد بالحرب، إن بطهران أو موسكو من كعكة الخراب، ومدى تطبيق والتزام الاتفاقات التي وقعها، ولم يزل نظام الأسد، مع الدولتين اللتين ساهمتا إلى جانبه، بالخراب.

ونبه آخرون لوصول النائب الاقتصادي السابق، عبد الله الدردري إلى البنك الدولي، وعمله منذ مطلع الشهر المقبل، كمسؤول بالمؤسسة الدولية عن إعادة الإعمار ببلدان الربيع العربي أو الشرق الأوسط، والدردري هو، أو "الأسكوا" أول من أصدر أرقاماً حول خسائر الحرب بسوريا وتكاليف إعادة الإعمار، بل ويقال عن زيارته مرتين لدمشق خلال الثورة، لبحث هذا الملف، مع أركان عصابة الأسد.

قصارى القول: ربما من الخطأ النظر إلى إعادة إعمار سوريا من باب البنى التحتية وهدم نحو مليوني مسكن، والتي قدر خسائرها آخر تقرير، بنحو 60 مليار دولار، لأن خسائر قطاع النفط وحده، تقدر بنحو 65 مليار دولار، عدا قطاع الكهرباء والصناعة والغاز، والتي تعتبر بمجملها قطاعات مغرية وذات استرداد سريع لرأس المال.

كما من الملهاة ربما، الغرق في أن إعادة الإعمار ووفق أقل التقديرات تنوف عن 250 مليار دولار، أي أكثر أربعة أضعاف من الناتج المحلي الإجمالي عام 2010، أو الانشغال بمن يمكن أن يأتي إلى سوريا ليستثمر بواقع الحرب وأن ليس ثمة مغريات بسوريا تستحق مجازفة رأس المال، ليس لأنه جبان كما يقول البسطاء، بل لأن ثمة مطارح استثمارية أكثر شراهة وعائدية وضمان.

ببساطة، لأن في كل تلك الطروحات، صرف النظر عن من هدم سوريا أولاً، ومحاولة طمس جريمة الأسد وشركائه ومن أتى بهم من متطرفين لينتشلوه من أزماته، ولتمرير آخر ما يمكن أن يباع بسوريا، لطهران وموسكو، كما رأينا من اتفاقات مع الجانبين، وصلت للاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز، براً وبحراً، وإعادة تأهيل القطاعات الحيوية من طاقة وزراعة وصناعة، بل ودخول إخوة العقيدة بطهران، حتى في حصة رامي مخلوف وقطاعه، بعد أن منح الأسد استثمار الهواء "الخليوي" لطهران.

نهاية القول: فشلت المعارضة السورية في استرداد الأموال المنهوبة، كما فشلت في سوق أركان النظام ومجرميه للمحاكم الدولية، وعلى الأرجح ستفشل في فضح صفقة إعادة الإعمار، الذي لن يكون حكراً على شركاء الأسد، وإن كانت لهم الأولوية، كما صرح بشار الأسد وأكد رئيس حكومته وأعادها أخيراً وزير اقتصاده.

إذ لم يعد من رشى يمكن أن يقدمها الوريث بدمشق، ليبقى على كرسي الحكم، سوى ورقة إعادة الإعمار والتنازل عن بعض جغرافيا سوريا لمن دخل راعياً للحل أو حتى حليفاً للثورة.

وربما لم يعد من مشكلة لدى الأسد، عمّا كان يتبجح به ومورثه من ذي قبل، في أن القروض من صندوق النقد والبنك الدوليين، ستلزم سوريا بوصفات وشروط تتعدى الاقتصادي والمجتمعي لتصل للسياسي، لأن واقع الحال غيّر من كل المفاهيم والخطوط الحمر الاقتصادية المعمول بها بسوريا سابقاً، ولعل في السماح للقطاع الخاص، أو بصيغة أدق لأل الأسد وصحبه، باستيراد المشتقات النفطية قبل أيام، وتزويد حتى حكومته بالمازوت، أسقط الشعارات العريضة التي بلعها السوريون لعقود وأفقرتهم، وباتت سوريا اليوم، مثل دابّة "طائحة" معروضة ومعرضة لكل شيء.

إعادة الإعمار هي طوق نجاة بشار الأسد ونظامه، ونقطة القوة لدى المعارضة التي لم تحسن استخدامها، إذ ليس من مصيبة ستحل بالسوريين جميعهم، بقدر ما يعد لهم بهذا الملف، والتي يتحضر له حتى من يدعي صداقة ونصرة الثورة والثوار، ولعل ما يتم تأسيسه من شركات بلبنان، لتنال حصتها من خراب سوريا، يوضح حجم التآمر العربي والإقليمي والدولي على سوريا والسوريين، كما أن مد يد الأسد المفلس، للمؤسسات المالية والدول الكبرى، سيوقع السوريين بعجوزات وإفقار، ربما لا يخرجون منها لعقود، ولعل ما حل بالأرجنتين واليونان وحتى مصر ولبنان، أدلة ماثلة يمكن منها العبرة والاتعاظ، رغم أن تلك الدول التي بلعت طعم الديون والقبول بنسبة فوائدها المرتفعة وشروط منحها، لم تعش، كما سوريا، ثورة دفعت ثمناً لها مليون قتيل ومعاق وأكثر من 12 مليون نازح ومهجر وهارب ونحو 3 مليون طفل خارج المدارس، وهم قلما يؤتى على ذكرهم، ضمن التأهيل وإعادة الإعمار.

*عدنان عبدالرزاق - من كتاب "زمان الوصل"
(174)    هل أعجبتك المقالة (173)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي